بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 أبريل 2012

الجزء الخامس


الفصل الحادي والأربعون

     حينئذ علم كلاهما انهما كانا عريانين ، فلذلك استحيا وأخذا أوراق التين وصنعا ثوبا لسوأتهما ، فلما مالت الظهيرة إذا بالله قد ظهر لهما ونادى آدم قائلا: ( آدم أين أنت ) فأجاب : ( يا رب تخبأت من حضرتك لأني وامرأتي عريانان فلذلك نستحي أن نتقدم أمامك ) فقال الله : ( ومن اغتصب منكما براءتكما إلا أن تكونا أكلتما التمر فصرتما بسببه نجسين ، ولا يمكنكما أن تمكثا بعد في الجنة ، أجاب آدم : ( يا رب ان الزوجة التي أعطيتني طلبت مني أن آكل فأكلت منه ) حينئذ قال الله للمرأة : ( لماذا أعطيت طعاما كهذا لزوجك؟ ) أجابت حواء : ( ان الشيطان خدعني فأكلت ) قال الله : ( كيف دخل ذلك الرجيم إلى هنا ؟ ) أجابت حواء : ( ان الحية التي تقف على الباب الشمالي من الجنة أحضرته إلى جانبي ) فقال الله لآدم : ( لتكن الأرض ملعونة بعملك لأنك أصغيت لصوت امرأتك وأكلت الثمر ، لتنبت لك حسكا وشوكا ، ولتأكل الخبز بعرق وجهك ، واذكر انك تراب والى التراب تعود ) وكلم حواء قائلا : ( وأنت التي أصغيت للشيطان ، وأعطيت زوجك الطعام تلبثين تحت تسلط الرجل الذي يعاملك كأمة ، وتحملين الأولاد بالألم ، ولما دعا الحية دعا الملاك ميخائيل الذي يحمل سيف الله وقال : ( اطرد أولا من الجنة هذه الحية الخبيثة ، ومتى صارت خارجا فاقطع قوائمها ، فإذا أرادت أن تمشي يجب أن تزحف ) ثم نادى الله بعد ذلك الشيطان فأتى ضاحكـا فقال له : ( لأنك أيها الرجيم خدعت هذين وصيرتهما نجسين أريد أن تدخل في فمك كل نجاسة فيهما وفي كل أولادهما متى تابوا عنها وعبدوني حقا فخرجت منهم فتصير مكتظا بالنجاسة ) فجأر الشيطان حينئذ جأرا مخوفا وقال : ( لما كنت تريد أن تصيرني أردأ ممـا أنا عليه فإني سأجعل نفسي كما أقدر أن أكون ) حينئذ قال الله: ( انصرف أيها اللعين من حضرتي ) فانصرف الشيطان، ثم قال الله لآدم وحواء اللذين كانا ينتحبان: ( اخرجا من الجنة ، وجاهدا أبدانكما ولا يضعف رجاؤكما ، لأني ارسل ابنكما على كيفية يمكن بها لذريتكما أن ترفع سلطة الشيطان عن الجنس البشري ، لأني سأعطي رسولي الذي سيأتي كل شيء ، فاحتجب الله وطردهما الملاك ميخائيل من الفردوس ، فلما التفت آدم رأى مكتوبا فوق الباب : (( لا إله إلا الله محمد رسول الله )) فبكى عند ذلك وقال : ( أيها الابن عسى الله أن يريد أن تأتي سريعا وتخلصنا من هذا الشقاء ) قال يسوع : هكذا أخطأ الشيطان وآدم بسبب الكبرياء ، أما احدهما فلأنه احتقر الإنسان ، وأما الآخر فلأنه أراد أن يجعل نفسه ندا لله .

الفصل الثاني والأربعون

     فبكى التلاميذ بعد هذا الخطاب، وكان يسوع باكيا لما رأوا كثيرين من الذين جاءوا يفتشون عليه ، فإن رؤساء الكهنة تشاوروا فيما بينهم ليتسقطوه بكلامه، لذلك أرسلوا اللاويين وبعض الكتبة يسألونه قائلين : من أنت ؟ فاعترف يسوع وقال : الحق إني لست مسيا ، فقالوا : أأنت ايليا أو أرميا أو أحد الأنبياء القدماء ؟ أجاب يسوع : كلا، حينئذ قالوا : من أنت ، قل لنشهد للذين أرسلونا ؟ ، فقال حينئذ يسوع : أنا صوت صارخ في اليهودية كلها ، يصرخ : أعدوا طريق رسول الرب كما هو مكتوب في اشعيا، قالوا: إذا لم تكن المسيح ولا ايليا أو نبيا ما فلماذا تبشر بتعليم جديد وتجعل نفسك أعظم شأنا من مسيا؟ ، أجاب يسوع : إن الآيات التي يفعلها الله على يدي تظهر إني اتكلم بما يريد الله ، ولست احسب نفسي نظير الذي تقولون عنه ، لأني لست أهلا أن أحل رباطات جرموق أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسيا الذي خلق قبلي وسيأتي بعدي وسيأتي بكلام الحق ولا يكون لدينه نهاية ) فانصرف اللاويون والكتبة بالخيبة وقصوا كل شيء على رؤساء الكهنة الذين قالوا: ان الشيطان على ظهره وهو يتلو كل شيء عليه، ثم قال يسوع لتلاميذه: الحق أقول لكم ان رؤساء وشيوخ شعبنا يتربصون بي الدوائر، فقال بطرس: لا تذهب فيما بعد إلى أورشليم ، فقال له يسوع : انك لغبي ولا تدري ما تقول فإن علي أن أحتمل اضطهادات كثيرة لأنه هكذا احتمل جميع الأنبياء وأطهار الله ولكن لا تخف لأنه يوجد قوم معنا وقوم علينا، ولما قال يسوع هذا انصرف وذهب إلى جبل طابور وصعد معه بطرس ويعقوب ويوحنا اخوه مع الذي يكتب هذا، فأشرق هناك فوقهم نور عظيم ، وصارت ثيابه بيضاء كالثلج، ولمع وجهه كالشمس ، وإذا بموسى وايليا قد جاءا يكلمان يسوع بشأن ما يسحل بشعبنا وبالمدينة المقدسة، فتكلم بطرس قائلا : يا رب حسن أن نكون ههنا ، فإذا أردت نضع ثلاث مظال لك واحدة ولموسى واحدة والأخرى لايليا ، وبينما كان يتكلم غشيته سحابة بيضاء، وسمعوا صوتا قائلا : انظروا خادمي الذي به سررت ، اسمعوا له ، فارتاع التلاميذ وسقطوا على وجوههم إلى الأرض كأنهم أموات ، فنزل يسوع وأنهض تلاميذه قائلا : لا تخافوا لأن الله يحبكم وقد فعل هذا لكي تؤمنوا بكلامي .

الفصل الثالث والأربعون

     ونزل يسوع إلى التلاميذ الثمانية الذين كانوا ينتظرونه أسفل، وقص الأربعة على الثمانية كل ما رأوا، وهكذا زال في ذلك اليوم من قلوبهم كل شك في يسوع إلا يهوذا الاسخريوطي الذي لم يؤمن بشيء، وجلس يسوع على سفح الجبل وأكلوا من الأثمار البرية لأنه لم يكن عندهم خبز، حينئذ قال اندراوس: لقد حدثتنا بأشياء كثيرة عن مسيا فتكرم بالتصريح لنا بكل شيء، فأجاب يسوع: كل من يعمل فإنما يعمل لغاية يجد فيها غناء، لذلك أقول لكم أن الله لما كان بالحقيقة كاملا لم يكن له حاجة إلى غناء، لأنه الغناء عنده نفسه، وهكذا لما أراد أن يعمل خلق قبل كل شيء نفس رسوله  الذي لأجله قصد إلى خلق الكل ، لكي تجد الخلائق فرحا وبركة بالله ، ويسر رسوله بكل خلائقه التي قدر أن تكون عبيدا ، ولماذا وهل كان هذا هكذا إلا لأن الله أراد ذلك ؟ ، الحق أقول لكم إن كل نبي متى جاء فإنه إنما يحمل لأمة واحدة فقط علامة رحمة الله ، ولذلك لم يتجاوز كلامهم الشعب الذي أرسلوا إليه، ولكن رسول الله متى جاء يعطيه الله ما هو بمثابة خاتم يده، فيحمل خلاصا ورحمة لأمم الأرض الذين يقبلون تعليمه، وسيأتي بقوة على الظالمين ، ويبيد عبادة الأصنام بحيث يخزي الشيطان، لأنه هكذا وعد الله إبراهيم قائلا : ( انظر فاني بنسلك ابارك كل قبائل الأرض وكما حطمت يا إبراهيم الأصنام تحطيما هكذا سيفعل نسلك) أجاب يعقوب: يا معلم قل لنا بمن صنع هذا العهد؟ ، فان اليهود يقولون (( باسحق )) والاسماعيليون يقولون (( باسماعيل )) ، أجاب يسوع : ابن من كان داود ومن أي ذرية ؟ ، أجاب يعقوب : من اسحق لأن اسحق كان أبا يعقوب ويعقوب كان أبا يهوذا الذي من ذريته داود، فحينئذ قال يسوع ومتى جاء رسول الله فمن نسل من يكون ، أجاب التلاميذ : من داود ، فأجاب يسوع : لا تغشوا أنفسكم ، لأن داود يدعوه في الروح ربا قائلا هكذا : ( قال الله لربي اجلس عن يميني حتى اجعل اعداءك موطئا لقدميك ، يرسل الرب قضيبك الذي سيكون ذا سلطان في وسط أعدائك) فإذا كان رسول الله الذي تسمونه مسيا بن داود فكيف يسميه داود ربا ، صدقوني لأني أقول لكم الحق ان العهد صنع باسماعيل لا باسحق .

الفصل الرابع والأربعون

     حينئذ قال التلاميذ : يا معلم هكذا كتب في كتاب موسى أن العهد صنع باسحق ، أجاب يسوع متأوها: هذا هو المكتوب، ولكن موسى لم يكتبه ولا يشوع، بل أحبارنا الذين لا يخافون الله ، الحق أقول لكم إنكم إذا اعملتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلمون خبث كتبتنا وفقهائنا ، لأن الملاك قال :  ( يا إبراهيم سيعلم العالم كله كيف يحبك الله، ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله، حقا يجب عليك أن تفعل شيئا لأجل محبة الله، أجاب إبراهيم: (ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله ) فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلا : خذ ابنك بكرك اسماعيل واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة ) فكيف يكون اسحق البكر وهو لما ولد كان اسماعيل ابن سبع سنين ؟ ، فقال حينئذ التلاميذ : ان خداع الفقهاء لجلى ، لذلك قل لنا أنت الحق لأننا نعلم انك مرسل من الله، فأجاب حينئذ يسوع : الحق أقول لكم ان الشيطان يحاول دائما ابطال شريعة الله ، فلذلك قد نجس هو واتباعه والمراؤون وصانعوا الشر كل شيء اليوم ، الأولون بالتعليم الكاذب والآخرون بمعيشة الخلاعة ، حتى لا يكاد يوجد الحق تقريبا ، ويل للمرائين لأن مدح هذا العالم سينقلب عليهم اهانة وعذابا في الجحيم، لذلك أقول لكم ان رسول الله بهاء يسر كل ما صنع الله تقريبا ، لأنه مزدان بروح الفهم والمشورة ، روح الحكمة والقوة ، روح الخوف والمحبة ، روح التبصر والاعتدال ، مزدان بروح المحبة والرحمة ، روح العدل والتقوى ، روح اللطف والصبر التي أخذ منها من الله ثلاثة اضعاف مـا أعطى لسائر خلقه ، ما أسعد الزمن الذي سيأتي فيه إلى العالم ، صدقوني إني رأيته وقدمت له الاحترام كما رآه كل نبي، لأن الله يعطيهم روحه نبوة ، ولما رأيته امتلأت عزاءا قائلا : يا محمد ليكن الله معك وليجعلني أهلا أن أحل سير حذائك ، لأني إذا نلت هذا صرت نبيا عظيما وقدوس الله ، ولما قال يسوع هذا شكر الله.

الفصل الخامس والأربعون

      ثم جاء الملاك جبريل يسوع وكلمه بصراحة حتى إننا نحن أيضا سمعنا صوته يقول : ( قم واذهب إلى أورشليم ) فانصرف يسوع وصعد إلى أورشليم ، ودخل يوم السبت الهيكل وابتدأ يعلم الشعب ، فاسرع الشعب إلى الهيكل مع رئيس الكهنة والكهنة الذين اقتربوا من يسوع قائلين : يا معلم قيل لنا انك تقول سوءا فينا لذلك احذر أن يحل بك سوء ، أجاب يسوع : الحـق أقول لكم أني أقول سوءا عن المرائين فإذا كنتم مرائين فإني اتكلم عنكم ، فقالوا: من هو المرائي قل لنا صريحا، قال يسوع : الحق أقول لكم إن كل من يفعل حسنا لكي يراه الناس فهو مراء ، لأن عمله لا ينفذ إلى القلب الذي لا يراه الناس فيترك فيه كل فكر نجس وكل شهوة قذرة ، أتعلمون من هو المرائي ، هو الذي يعبد بلسانه الله ويعبد بقلبه الناس ، انه بغي لانه متى مات يخسر كل جزاء ، لأن في هـذا الموضـوع يقول النبي داود : ( لا تثقوا بالرؤساء ولا بأبناء الناس الذين ليس بهـم خـلاص لأنه عند الموت تهلك أفكـارهم ) بل قبل الموت يرون أنفسهم محرومـين من الجزاء ، لأن (( الإنسان )) كما قال أيوب نبي الله : ( غير ثابت فلا يستقر على حال ، فإذا مدحك اليوم ذمك غدا ، وإذا أراد أن يجزيك اليوم سلبك غدا ، ويل إذا للمرائين لأن جزاءهم باطل ، لعمر الله الذي أقف في حضرته ان المرائي لص ، ويرتكب التجديف لأنه يتذرع بالشريعة ليظهر صالحا ، ويختلس مجد الله الذي له وحده الحمد والمجد إلى الأبد ، ثم أقول لكم أيضا انه ليس للمرائي إيمان ، لأنه لو آمن بأن الله يرى كل شيء وانه يقاص الإثم بدينونة مخوفة لكان ينقي قلبه الذي يبقيه ممتلئا بالإثم لأنه لا إيمان له ، الحق أقول لكم ان المرائي كقبر أبيض من الخارج ، ولكنه مملوء فسادا وديدانا ، فإذا كنتم أيها الكهنة تعبدون الله لان الله خلقكم ويطلب ذلك منكم فلا أندد بكم لأنكم خدمة الله ، ولكن إذا كنتم تفعلون كل شيء لأجل الربح ، وتبيعون وتشترون في الهيكل كما في السوق ، غير حاسبين أن هيكل الله بيت للصلاة لا للتجارة وأنتم تحولونه مغارة لصوص ، وإذا كنتم تفعلون كل شيء لترضوا الناس ، وأخرجتم الله من عقلكم ، فإني أصيح بكم أنكم أبناء الشيطان ، لا أبناء إبراهيم الذي ترك بيت أبيه حبا في الله ، وكان راضيا أن يذبح ابنه ، ويل لكم أيها الكهنة والفقهاء إذا كنتم هكذا لأن الله يأخذ منكم الكهنوت.

الفصل السادس والأربعون

     وتكلم يسوع أيضا قائلا : أضرب لكم مثلا ، غرس رب بيت كرما وجعل له سياجا لكي لا تدوسه الحيوانات ، وبنى في وسطه معصرة للخمر ، وأجره للكرامين ، ولما حان الوقت ليجمع الخمر أرسل عبيده ، فلما رآهم الكرامون رجموا بعضا وأحرقوا بعضا وبقروا الآخرين بمدية، وفعلوا هذا مرارا عديدة، فقولوا لي ماذا يفعل صاحب الكرم بالكرامين ؟ ، فأجاب كل واحد : انه ليهلكهم شر هلكة ويسلم الكرم لكرامين آخرين، لذلك قال يسوع: ألا تعلمون إن الكرم هو بيت إسرائيل والكرامين شعب يهوذا وأورشليم ؟ ، ويل لكم لان الله غاضب عليكم ، لأنكم بقرتم كثيرين من أنبياء الله حتى أنه لم يوجد في زمن أخاب واحد يدفن قديسي الله ، ولما قال هذا أراد رؤساء الكهنة أن يمسكوه ولكنهم خافوا العامة الذين عظموه ، ثم رأى يسوع امرأة كان رأسها منحنيا نحو الأرض منذ ولادتها ، فقال : ارفعي رأسك أيتها المرأة باسم إلهنا ليعرف هؤلاء أني أقول الحق وانه يريد ان أذيعه ، فاستقامت حينئذ المرأة صحيحة معظمة لله، فصرخ رؤساء الكهنة قائلين : ليس هذا الإنسان مرسلا من الله، لأنه لا يحفظ السبت إذ قد أبرأ اليوم مريضا ، أجاب يسوع : ألا فقولوا لي ألا يحـل التكلم في يوم السبت وتقديم الصلاة لخـلاص الآخرين ؟ ، ومن منكم إذا سقط حماره يوم السبت في حفرة لا ينتاشه يوم السبت ؟ ، لا أحد مطلقا، فهل أكون قد كسرت يوم السبت بإبراء ابنة من بني إسرائيل ؟ ، حقا انه قد علم هنا رؤياكم، كم من حاضر هنا ممن يحذرون أن يصيب عين غيرهم قذى والجذع يوشك أن يشج رؤوسهم ، ما أكثر الذين يخشون النملة ولكنهم لا يبالون بالفيل ؟ ، ولما قال هذا خرج من الهيكل، ولكن الكهنة احتدموا غيظا فيما بينهم ، لانهم لم يقدروا أن يمسكوه وينالوا منه مأربا كما فعل آباؤهم في قدوسي الله .

الفصل السابع والأربعون

     ونزل يسوع في السنة الثانية من وظيفته النبوية من أورشليم، وذهب إلى نايين، فلما اقترب من باب المدينة كان أهل المدينة يحملون إلى القبر ابنا وحيدا لإمه الأرملة ، وكان كل أحد ينوح عليه ، فلما وصل يسوع علم الناس إن الذي جاء إنما هو يسوع نبي الجليل، فلذلك تقدموا وتضرعوا إليه لأجل الميت طالبين أن يقيمه لأنه نبي ، وفعل تلاميذه كذلك، فخاف يسوع كثيرا ، ووجه نفسه لله وقال : خذني من العالم يارب ، لأن العالم مجنون وكادوا يدعونني إلهـا ، ولما قال ذلك بكى ، حينئذ جاء الملاك جبريل ، وقال : لا تخف يا يسوع لأن الله أعطاك قوة على كل مرض ، حتى إن كل ما تمنحه باسم الله يتم برمته ، فعند ذلك تنهد يسوع قائلا : لتنفذ مشيئتك أيها الإله القدير الرحيم ، ولما قال هذا اقترب من أم الميت وقال لها بشفقة : لا تبكي أيتها المرأة ، ثم أخـذ يد الميت وقال : أقـول لك أيها الشاب باسم الله قم صحيحا ؟ ، فانتعش الغلام ، وامتلأ الجميع خـوفا قائلين : لقد أقـام الله لنا (( نبيا )) عظيما بيننا وافتقد شعبه .      

الفصل الثامن و الأربعون

     كان جيش الرومان في ذلك الوقت في اليهودية ، لان بلادنا كانت خاضعة لهم بسبب خطايا أسلافنا ، وكانت عادة الرومان أن يدعوا كل من فعل شيئا جديدا فيه نفع للشعب إلها ويعبدوه، فلما كان بعض هؤلاء الجنود في نايين وبخوا واحدا بعد آخر قائلين: لقد زاركم أحد آلهتكم وأنتم لا تكترثون له؟ ، حقا لو زارتنا آلهتنا لا عطيناهم كل مالنا ، وانتم تنظرون كم نخشى آلهتنا لأننا نعطى تماثيلهم أفضل ما عندنا، فوسوس الشيطان بهذا  الأسلوب من الكلام حتى أنه أثار شغبا بين شعب نايين ، لكن يسوع لم يمكث في نايين بل تحول ليذهب إلى كفرناحوم، وبلغ الشقاق في نايين مبلغا قال معه قوم: إن الذي زارنا إنما هو إلهنا، وقال آخرون : أن الله لا يرى فلم يره أحد حتى ولا موسى عبده فليس هو الله بل هو بالحرى ابنه ، وقال آخرون: انه ليس الله ولا ابن الله لأنه ليس لله جسد فيلد بل هو نبي عظيم من الله ، وبلغ من وسوسة الشيطان إن كاد يجر ذلك على شعبنا في السنة الثالثة من وظيفة يسوع النبوية خرابا عظيما ، وذهب يسوع إلى كفرناحوم ، فلما عرفه أهل المدينة جمعوا كل مرضاهم ووضعوهم في مقدم الرواق حيث كان يسوع وتلاميذه نازلين، فدعوا يسوع وتضرعوا إليه لأجل صحتهم، فألقى يسوع يده على كل منهم قائلا : يا إله إسرائيل باسمك القدوس أعط صحة لهذا العليل، فبرئوا جميعهم ، ودخل يسوع يوم السبت المجمع فأسرع كل الشعب إلى هناك ليسمعوه يتكلم .

الفصل التاسع و الأربعون

     قرأ الكتبة في ذلك اليوم مزمور داود حيث يقول داود: متى وجدت وقتا أقضي بالعدل ، وبعد قراءة الأنبياء انتصب يسوع وأومأ ايماء السكوت بيديه، وفتح فاه وتكلم هكذا : أيها الاخوة لقد سمعتم الكلام الذي تكلم به النبي داود أبونا انه متى وجد وقتا قضى بالعدل ، اني أقول لكم حقا ان كثيرين يقضون فيخطئون ، وإنما يخطئون فيما لا يوافق أهواءهم، وأما ما يوافقها فيقضون به قبل وقته ، كذلك ينادينا إله آبائنا على لسان نبيه داود قائلا: اقضوا بالعدل يا أبناء الناس، فما أشقى أولئك الذين يجلسون على منعطفات الشوارع ولا عمل لهم إلا الحكم على المارة ، قائلين : ذلك جميل وهذا قبيح ذلك حسن وهذا ردىء ، ويل لهم لأنهم يرفعون قضيب الدينونة من يد الله الذي يقول : ( اني شاهد وقاض ولا أعطي مجدي لاحد ، الحق أقول لكم ان هؤلاء يشهدون بما لم يروا ولم يسمعوا قط ، ويقضون دون أن ينصبوا قضاة، وانهم لذلك مكرهون على الأرض أمام عيني الله الذي سيدينهم دينونة رهيبة في اليوم الآخر ، ويل لكم ويل لكم أنتم الذين تمدحون الشر وتدعون الشر خيرا ، لأنكم تحكمون على الله بأنه أثيم وهو منشىء الصلاح، وتبررون الشيطان كأنه صالح وهو منشأ كل شر ، فتأملوا أي قصاص يحل بكم وان الوقوع في دينونة الله مخوف وستحل حينئذ على أولئك الذين يبررون الأثيم لأجل النقود ، ولا يقضون في دعوى اليتامى والارامل ، الحق أقول لكم ان الشياطين سيقشعرون من دينونة هؤلاء ، لأنها ستكون رهيبة جدا، أيها الإنسان المنصوب قاضيا لا تنظر إلى شيء آخر ، لا إلى الأقرباء ولا إلى الأصدقاء ولا إلى الشرف ولا إلى الربح ، بل أنظر فقط بخوف الله إلى الحق الذي يجب عليك أن تطلبه باجتهاد أعظم ، لأنه يقيك دينونة الله ، ولكني أنذرك أن من يدين بدون رحمة يدان بدون رحمة .

الفصل الخمسون

     قل لي أيها الإنسان الذي تدين غيرك، ألا تعلم ان منشأ كل البشر من طينة واحدة ، ألا تعلم أنه لا يوجد أحد صالح إلا الله وحده ، لذلك كان كل إنسان كاذبا وخاطئا ، صدقني أيها الإنسان انك إذا كنت تدين غيرك على ذنب فإن في قلبك منه ما تدان عليه ، ما أشد القضاء خطرا، ما أكثر الذين هلكوا بقضائهم الجائر، فالشيطان حكم على الإنسان بأنه أنجس منه، لذلك عصى الله خالقه، تلك المعصية التي لم يتب عنها فان لي علما بذلك من محادثتي اياه، وقد حكم ابوانا الاولان بحسن حديث الشيطان، فطردا لذلك من الجنة، وقضيا على كل نسلهما، الحق أقول لكم لعمر الله الذي أقف في حضرته ان الحكم الباطل هو أبو كل الخطايا، لأن لا أحد يخطىء بدون ارادة ولا أحد يريد ما لا يعرف ، ويل إذا للخاطئ الذي يحكم في قضائه بأن الخطيئة صالحة والصلاح فساد، الذي يرفض لذلك السبب الصلاح ويختار الخطيئة ، أنه سيحل به قصاص لا يطاق متى جاء الله ليدين العالم ، ما أكثر الذين هلكوا بسبب القضاء الجائر ، وما أكثر الذين أوشكوا أن يهلكوا ، قضى فرعون على موسى وشعب إسرائيل بالكفر ، وقضى شاول على داود بأنه مستحق للموت ، وقضى اخاب على ايليا، ونبوخذ نصرعلى الثلاثة الغلمان الذين لم يعبدوا آلهتهم الكاذبة، وقضى الشيخان على سوسنة ، وقضى كل الرؤساء عبدة الاصنام على الانبياء ، ما أرهب قضاء الله، يهلك القاضي وينجو المقضي عليه ، ولماذا هذا أيها الانسان ان لم يكن لأنهم يحكمون على البرئ ظلما بالطيش ؟ ما كان أشد قرب الصالحين من الهلاك ، لأنهم حكموا باطلا، يتبين ذلك من ( قصه ) أخوة يوسف الذين باعوه (( للمصريين )) ومن هرون ومريم اخت موسى اللذين حكما على أخيهما، وثلاثة من أصدقاء أيوب حكموا على خليل الله البرئ أيوب ، وداود قضى على مفيبوشت وأوريا ، وقضى كورش بأن يكون دانيال طعاما للاسود ، وكثيرون آخرون أشرفوا على الهلاك بسبب هذا ، لذلك أقول لكم لا تدينوا فلا تدانوا ، فلما أنجز يسوع كلامه تاب كثيرون نائحين على خطاياهم وودوا لو يتركون كل شيء ويتبعونه ، ولكن يسوع قال : ابقوا في بيوتكم ، واتركوا الخطيئة ، واعبدوا الله بخوف فبهذا تخلصون ، لأني لم آت لأخدَم بل لأخدِم ، ولما قال هذا خرج من المجمع والمدينة ، وانفرد في الصحراء ليصلي لأنه كان يحب العزلة كثيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بالجميع فط راسلنى على البريد التالي :
nooral7q@gmail.com