الفصل
الحادي والعشرون
((
يسوع
يشفي مجنونا وطرح الخنازير في البحر
، وابراؤه
ابنة الكنعانية
))
صعد
يسوع إلى كفر ناحوم ودنا من المدينة ،
وإذا بشخص خرج من بين القبور كان به شيطان
تمكَّن منه حتى لم تقو سلسلة على امساكه
فألحق بالناس ضررا كثيرا ، فصرخت الشياطين
من فيه قائلة :
يا
قدوس الله لماذا جئت قبل الوقت لتزعجنا
، وتضرعوا إليه ألا يخرجهم ، فسألهم يسوع
كم عددهم ، فأجابوا :
ستة
آلاف وستمائة وستة وستون ، فلما سمع
التلاميذ هذا ارتاعوا وتضرعوا إلى يسوع
أن ينصرف ، حينئذ أجـاب يسوع ، أين إيمانكم
؟ يجب على الشيطان أن ينصرف لا أنا ، فحينئذ
صرخت الشياطين قائلة :
إننا
نخرج ولكن اسمح لنا أن ندخل في تلك الخنازير
، وكان يرعى هناك بجانب البحر نحو عشرة
آلاف خنزير للكنعانيين ، فقال يسوع :
أخرجوا
وادخلوا في الخنازير ، فدخلت الشياطين
الخنازير بجئير وقذفت بها إلى البحر ،
حينئذ هرب إلى المدينة رعاة الخنازير
وقصوا كل ما جرى على يد يسوع ، فخرج من ثم
رجال المدينة فوجدوا يسوع والرجل الذي
شفي ، فارتاع الرجال وضرعوا إلى يسوع أن
ينصرف عن تخومهم ، فانصرف من ثم عنهم وصعد
إلى نواحي صور وصيدا ، وإذا بامرأة من
كنعان مع ابنيها قد جاءت من بلادها لترى
يسوع ، فلما رأته آتيا مع تلاميذه صرخت :
يا
يسوع ابن داود ارحم ابنتي التي يعذبها
الشيطان ، فلم يجب يسوع بكلمة واحدة لأنهم
كانوا من غير أهل الختان ، فتحنن التلاميذ
وقالوا :
يا
معلم تحنن عليهم انظر ما أشد صراخهم
وعويلهم ، فأجاب يسوع :
إني
لم أرسل إلا إلى شعب إسرائيل ، فتقدمت
المرأة وابناها إلى يسوع معولة قائلة :
يا
يسوع بن داود ارحمني ، أجاب يسوع لا يحسن
أن يأخذ الخبز من أيدي الأطفال ويطرح
للكلاب ، وإنما قال يسوع هذا لنجاستهم
لأنهم كانوا من غير أهل الختان ، فأجابت
المرأة :
يا
رب إن الكلاب تأكل الفتات الذي يسقط من
مائدة أصحابها ، حينئذ انذهل يسوع من كلام
المرأة وقال :
أيتها
المرأة إن إيمانك لعظيم ، ثم رفع يديه إلى
السماء وصلى لله ثم قال :
أيتها
المرأة قد حررت ابنتك فاذهبي في طريقك
بسلام ، فانصرفت المرأة ولما عادت إلى
بيتها وجدت ابنتها التي تسبح الله ، لذلك
قالت المرأة :
حقا
لا إله إلا إله إسرائيل ، فانضم من ثم
أقرباؤها إلى الشريعة عملا بالشريعة
المسطورة في كتاب موسى .
الفصل
الثاني والعشرون
((
شقاء
غير المختونين يكون الكلب أفضل منهم ))
فسأل
التلاميذ يسوع في ذلك النهار قائلين :
يا
معلم لماذا أجبت المرأة بهذا الجواب قائلا
أنهم كلاب ، أجاب يسوع :
الحق
أقول لكم أن الكلب أفضل من رجل غير مختون
، فحزن التلاميذ قائلين :
إن
هذا الكلام لثقيل ومن يقوى على قبوله ،
أجاب يسوع :
إذا
لاحظتم أيها الجهال ما يفعل الكلب الذي
لا عقل له لخدمة صاحبه علمتم أن كلامي
صادق ، قولوا لي أيحرس الكلب بيت صاحبه
ويعرض نفسه للص ؟ نعم ولكن ما جزاؤه ؟ ضرب
كثير وأذى مع قليل من الخبز وهو يظهر
لصاحبه وجها مسرورا أصحيح هذا ؟ فأجاب
التلاميذ :
إنه
لصحيح يا معلم ، حينئذ قال يسوع :
تأملوا
إذا ما أعظم ما وهب الله الإنسان فتروا
إذا ما أكفره لعدم وفائه بعهد الله مع
عبده إبراهيم ، اذكروا ما قاله داود لشاول
ملك إسرائيل ضد جليات الفلسطيني ، قال
داود (
يا
سيدي بينما كان يرعى عبدك قطيعه جاء ذئب
ودب وأسد وانقضت على غنم عبدك ، فجاء عبدك
وقتلها وأنقذ الغنم ، وما هذا الأغلف إلا
كواحد منها ، لذلك يذهب عبدك باسم الرب
إله إسرائيل ويقتل هذا النجس الذي يجدف
على شعب الله الطاهر )
،
حينئذ قال التلاميذ:
قل
لنا يا معلم لأي سبب يجب على الإنسان
الختان ؟ فأجاب يسوع:
يكفيكم
أن الله أمر به إبراهيم قائلا :
( يا
إبراهيم اقطع غرلتك وغرلة كل بيتك لأن
هذا عهد بيني وبينك إلى الأبد )
.
الفصل
الثالث والعشرون
((
أصل
الختان وعهد الله مع إبراهيم ولعنة الغلف
))
ولما
قال ذلك يسوع جلس قريبا من الجبل الذي
كانوا يشرفون عليه ، فجاء تلاميذه إلى
جانبه ليصغوا إلى كلامه ، حينئذ قال يسوع
:
انه
لما أكل آدم الإنسان الأول الطعام الذي
نهاه الله عنه في الفردوس مخدوعا من
الشيطان عصى جسده الروح ، فأقسم قائلا :
( تالله
لأقطعنك )
،
فكسر شظية من صخر وأمسك جسده ليقطعه بحد
الشظية ، فوبخه الملاك جبريل على ذلك ،
فأجاب (لقد
أقسمت بالله أن أقطعه فلا أكون حانثا )
،
حينئذ أراه الملاك زائدة جسده فقطعها ،
فكما أن جسد كل إنسان من جسد آدم وجب عليه
أن يراعى كل عهد اقسم آدم ليقومن به ،
وحافظ آدم على فعل ذلك في أولاده ، فتسلسلت
سنة الختان من جيل إلى جيل ، إلا انه لم
يكن في زمن إبراهيم سوى النزر القليل من
المختونين على الأرض ، لأن عبادة الأوثان
تكاثرت على الأرض ، وعليه فقد اخبر الله
إبراهيم بحقيقة الختان ، وأثبت هذا العهد
قائلا :
( النفس
التي لا تخـتن جسدها إياها ابدد مـن بين
شعبي إلى الأبد )
،
فارتجف التلاميذ خوفا من كلمات يسوع لأنه
تكلم باحتدام الـروح ، ثم قال يسوع :
دعوا
الخوف للذي لم يقطع غرلته لأنه محروم من
الفردوس ، وإذ قال هذا تكلم يسوع أيضا
قائلا :
ان
الروح في كثيرين نشيط في خدمة الله أما
الجسد فضعيف ، فيجب على من يخاف الله أن
يتأمل ما هو الجسد وأين كان أصله وأين
مصيره ، من طين الأرض خلق الله الجسد ،
وفيه نفخ نسمة الحياة بنفخة فيه ، فمتى
اعترض الجسد خدمة الله يجب أن يمتهن ويداس
كالطين ، لأن من يبغض نفسه في هذا العالم
يجدها في الحياة الابدية ، أما ماهية
الجسد الآن فواضح من رغائبه أنه العدو
الألد لكل صلاح فانه وحده يتوق إلى الخطيئة
، أيجب إذا على الإنسان مرضاة لأحد أعدائه
أن يترك مرضاة الله خالقه ، تأملوا هذا
ان كل القديسين والأنبياء كانوا أعداء
جسدهم لخدمة الله ، لذلك جروا بطيب خاطر
إلى حتفهم ، لكي لا يتعدوا شريعة الله
المعطاة لموسى عبده ويخدموا الآلهة
الباطلة الكاذبة ، اذكروا ايليا الذي هرب
جائبا قفار الجبال مقتاتا بالعشب ومرتديا
جلد المعز ، واواه كم من يوم لم يأكل ،
اواه مـا أشد البرد الذي احتمله ، اواه
كم من شؤبوب بلله ، ولقد عانى مدة سبع سنين
شظف اضطهاد تلك المرآة النجسة إيزابيل ،
اذكروا اليشع الذي أكل خبز الشعير ولبس
أخشن الأثواب ، الحق أقول لكم إنهم اذ لم
يخشوا أن يمتهنوا الجسد روعوا الملك
والرؤساء وكفى بهذا امتهانا للجسد أيها
القوم ، وإذا نظرتم إلى القبور تعلمون ما
هو الجسد .
الفصل
الرابع والعشرون
((
مثل
جلي كيف يجب على الإنسان أن يهرب من الولائم
والتنعم
))
لما
قال يسوع ذلك بكى قائلا :
الويل
للذين هم خدمة أجسادهم ، لأنهم حقا لا
ينالون خيرا في الحياة الأخرى بل عذابا
لخطاياهم ، أقول لكم انه كان نهم غني لم
يهمه سوى النهم ، وكان يولم وليمة عظيمة
كل يوم ، وكان واقفا على بابه فقير يدعى
لعازر وهو ممتلئ قروحا ويشتهي أن يشبع من
الفتات الساقط من مائدة النهم ، ولكن لم
يعطه أحد إياه بل سخر به الجميع، ولم يتحنن
عليه إلا الكلاب لأنها كانت تلحس قروحه
، وحدث أن مات الفقير واحتملته الملائكة
إلى ذراعي إبراهيم أبينا ، ومات الغني
أيضا واحتملته الشياطين إلى ذراعي إبليس
حيث عانى أشد العذاب ، فرفع عينيه ورأى
لعازر من بعيد على ذراعي إبراهيم ، فصرخ
حينئذ الغني :
( يا
أبتاه إبراهيم ارحمني وابعث لعازر ليحمل
لي على أطراف بنانه قطرة ماء تبرد لساني
الذي يعذب في هذا اللهيب )
،
فأجاب إبراهيم :
( يابني
اذكر انك استوفيت طيباتك في حياتك ولعازر
البلايا ، لذلك أنت الآن في الشقاء وهو
في العزاء )
،
فصرخ الغني أيضا :
( يا
أبتاه إبراهيم ان لي في بيت أبي ثلاثة
اخوة فأرسل إذا لعازر ليخبرهم بما اعانيه
لكي يتوبوا ولا يأتوا إلى هنا )
،
فأجاب إبراهيم :
( عندهم
موسى والأنبياء فليسمعوا منهم )
،
أجاب الغني :
( كلا
يا أبتاه إبراهيم بل إذا قام واحد من
الأموات يصدقون )
،
فأجاب إبراهيم :
( ان
من لا يصدق موسى والأنبياء لا يصدق الأموات
ولو قاموا )
،
وقال يسوع :
( انظروا
أليس الفقراء الصابرون مباركين الذين
يشتهون ما هو ضروري فقط كارهين الجسد ،
ما أشقى الذين يحملون الآخرين للدفن
ليعطوا أجسادهم طعاما للدود ولا يتعلمون
الحق ، بل هم بعيدون عن ذلك بعدا عظيما
حتى إنهم يعيشون هنا كأنهم خالدون، لأنهم
يبنون بيوتا كبيرة ويشترون أملاكا كثيرة
ويعيشون في الكبرياء.
) .
الفصل
الخامس والعشرين
((
كيف
يجب على الإنسان أن يحتقر الجسد ويعيش في
العالم
))
حينئذ
قال الكاتب :
يا
معلم ان كلامك لحق ولذلك قد تركنا كل شيء
لنتبعك، فقل لنا إذا كيف يجب علينا أن
نبغض جسدنا ، الانتحار غير جائز ولما كنا
أحياء وجب علينا أن نقيته ، أجاب يسوع :
احفظ
جسدك كفرس تعش في أمن ، لأن القوت يعطى
للفرس بالمكيال والشغل بلا قياس ، ويوضع
اللجام في فيه ليسير بحسب إرادتك ،ويربط
لكي لا يزعج أحدا ويحبس في مكان حقير ويضرب
إذا عصى ، فهكذا افعل إذا أنت يا برنابا
تعيش دوما مع الله ، ولا يغيضنك كلامي لأن
داود النبي فعل هذا الشيء نفسه كما يعترف
قائلا :
( اني
كفرس عندك واني دائما معك )
،
ألا قل لي أيهما أفقر؟ الذي يقنع بالقليل
أم الذي يشتهي الكثير ؟ ، الحق أقول لكم
لو كان للعالم عقل سليم لم يجمع أحد شيئا
لنفسه ، بل كان كل شيء شركة ، ولكن بهذا
يعلم جنونه أنه كلما جمع زاد رغبة ، وأن
ما يجمعه فإنما يجمعه لراحة الآخرين
الجسدية ، فليكفكم إذا ثوب واحد ، أرموا
كيسكم ، لا تحملوا مزودا ولا حذاء في
أرجلكم ، ولا تفكِّروا قائلين :
( ماذا
يحدث لنا )
بل
فكروا أن تفعلوا ارادة الله ، وهو يقدم
لكم حاجتكم حتى لا تكونوا في حاجة إلى شيء
، الحق أقول لكم ان الجمع كثيرا في هذه
الحياة يكون شهادة أكيدة على عدم وجود
شيء يؤخذ في الحياة الأخرى ، لأن من كانت
أورشليم وطنا له لا يبنى بيوتا في السامرة
، لأنه يوجد عداوة بين المدينتين، أتفقهون
؟ فأجاب التلاميذ (
بلى
)
.
الفصل
السادس والعشرون
((
كيف
يجب على الإنسان أن يحب الله
، ويتضمن
هذا الفصل النزاع العجيب بين إبراهيم
وأبيه ))
ثم
قال يسوع :
كان
رجل على سفر وبينما كان سائرا وجد كنزا
في حقل معروض للمبيع بخمس قطع من النقود
هم ، فلما علم الرجل ذلك ذهب توا وباع
رداءه ليشتري ذلك الحقل فهل يصدق ذلك ؟
فأجاب التلاميذ :
أن
من لا يصدق هذا فهو مجنون ، فقال عندئذ
يسوع :
أنكم
تكونون مجانين إذا كنتم لا تعطون حواسكم
لله لتشتروا نفسكم حيث يستقر كنز المحبة
، لأن المحبة كنز لا نظير له ، لأن من يحب
الله كان الله له ، ومن كان الله له كان
له كل شيء ، أجاب بطرس :
قل
لنا يا معلم كيف يجب على الإنسان أن يحب
الله محبة خالصة ،فأجاب يسوع :
الحق
أقول لكم أن من لا يبغض أباه وأمه وحياته
وأولاده وامرأته لاجل محبة الله فمثل هذا
ليس أهلا أن يحبه الله ، أجاب بطرس :
يا
معلم لقد كتب في ناموس الله في كتاب موسى
(
اكرم
اباك لتعيش طويلا على الأرض )
،
ثم يقول أيضا (
ليكن
ملعونا الابن الذي لا يطيع أباه و امه
)
،
ولذلك أمر الله بأن يرجم مثل هذا الابن
العقوق أمام باب المدينة وجوبا بغضب الشعب
، فكيف تأمرنا أن نبغض أبانا وامنا؟ ،
أجاب يسوع :
كل
كلمة من كلماتي صادقة ، لأنها ليست مني
بل من الله الذي أرسلني الى بيت إسرائيل
، لذلك أقول لكم ان كل ما عندكم قد أنعم
الله به عليكم ، فأي الامرين أعظم قيمة ؟
العطية أم المعطي؟، فمتى كان أبوك أو أمك
أو غيرهما عثرة لك في خدمة الله فانبذهم
كأنهم أعداء ، ألم يقل الله لإبراهيم :
( اخرج
من بيت أبيك وأهلك وتعال اسكن في الأرض
التي اعطيها لك ولنسلك ، ولماذا قال الله
ذلك ؟ ، أليس لأن أبا إبراهيم كان صانع
تماثيل يصنع ويعبد آلهة كاذبة ؟ لذلك بلغ
العداء بينهما حداً أراد معه الأب أن يحرق
ابنه ، أجاب بطرس :
ان
كلماتك صادقة ، واني أضرع اليك أن تقص
علينا كيف سخر إبراهيم من أبيه ؟ ، أجاب
يسوع :
كان
إبراهيم ابن سبع سنين لما ابتدأ أن يطلب
الله ، فقال يوما لأبيه :
(يا
أبتاه من صنع الإنسان ؟ أجاب الوالد الغبي
:
( الإنسان،
لاني أنا صنعتك وأبي صنعني)
،
فأجاب إبراهيم :
( يا
أبي ليس الامر كذلك ، لأني سمعت شيخا ينتحب
ويقول :
(( يا
إلهي لماذا لم تعطني أولادا ))
. أجاب
أبوه :
( حقا
يابني الله يساعد الإنسان ليصنع إنسانا
ولكنه لا يضع يده فيه ، فلا يلزم الإنسان
الا أن يتقدم ويضرع إلى إلهه ويقدم له
حملانا وغنما يساعده إلهه ، أجاب إبراهيم
:
( كم
إلها هنالك يا أبي ؟ )
،
أجاب الشيخ :
( لا
عدد لهم يابني )
،
فحينئذ أجاب إبراهيم :
( ماذا
أفعل يا أبي إذا خدمت إلها وأراد بي الاخر
شرا لأني لا أخدمه ؟ ، ومهما يكن من الامر
فانه يحصل بينهما شقاق ويقع الخصام بين
الآلهة ولكن إذا قتل الإله الذي يريد بي
شر إلهي فماذا افعل ؟ ، من المؤكد انه
يقتلني أنا أيضا ؟ )
،
فأجاب الشيخ ضاحكا :
( لا
تخف يابني لأنه لا يخاصم إله إلها ، كلا
فإن في الهيكل الكبير الوفا من الآلهة مع
الإله الكبير بعل ، وقد بلغت الآن سبعين
سنة من العمر ومع ذلك فاني لم أر قط إلها
ضرب إلها آخر ومن المؤكد إن الناس كلهم
لا يعبدون إلها واحـدا ، بل يعبد واحـد
إلها وآخر آخر )
،
أجاب إبراهيم :
( فإذا
يوجد وفاق بينهم ؟ )
،
أجاب أبوه :
( نعم
يوجد )
،
فقال حينئذ إبراهيم :
( يا
أبي أي شيء تشبه الآلهة ؟ )
و
أجاب الشيخ :
( يا
غبي إني كل يوم اصنع إلها ابيعه لآخرين
لأشتري خبزا وأنت لاتعلم كيف تكون الآلهة
!
) ،
وكان في تلك الدقيقة يصنع تمثالا ، فقال
(
هذا
من اخشب النخل وذاك من الزيتون وذلك
التمثال الصغير من العاج ، انظر ما أجمله
ألا يظهر كأنه حي ، حقا لا يعوزه الا النفس
)
،
أجاب إبراهيم :
( إذا
يا أبي ليس للآلهة نفس فكيف يهبون الأنفاس
؟ ، ولما لم تكن لهم حياة فكيف يعطون إذا
الحياة ، فمن المؤكد يا أبي أن هؤلاء ليسوا
هم الله ؟ )
،
فحنق الشيخ لهذا الكلام قائلا :
( لو
كنت بالغا من العمر ما تتمكن معه مـن
الإدراك لشججت رأسك بهذه الفأس ، ولكن
اصمت إذ ليس لك إدراك )
،
أجاب إبراهيم :
( يا
أبي إن كانت الآلهة تساعد على صنع الإنسان
فكيف يتأتى للإنسان أن يصنع آلهة ؟ ، وإذا
كانت الآلهة مصنوعة من خشب فان احراق
الخشب خطيئة كبرى ، ولكن قل لي يا أبت كيف
وأنت قد صنعت آلهة هذا عديدها لم تساعدك
الالهة لتصنع أولادا كثيرين فتصير أقوى
رجل في العالم ؟ )
،
فحنق الأب لما سمع ابنه يتكلم هكذا ، فأكمل
الابن قائلا :
( يا
أبت هل وجد العالم حينا من الدهر بدون بشر
؟ )
أجاب
الشيخ :
( نعم
ولماذا ؟ )
،
قال إبراهيم :
( لأني
أحب أن أعرف من صنع الإله الأول )
فقال
الشيخ :
انصرف
الآن من بيتي ودعني أصنع هذه الإله سريعا
ولا تكلمني كلاما ، فمتى كنت جائعا فانك
تشتهي خبزا لا كلاما )
،
فقال إبراهيم :
( إنه
لإله عظيم فإنك تقطعه كما تريد وهو لا
يدافع عن نفسه )
فغضب
الشيخ وقال :
( إن
العالم بأسره يقول انه إله وأنت أيها
الغلام الغبي تقول كلا ؟ فو آلهتي لو كنت
رجلا لقتلتك ، ولما قال هذا ضرب إبراهيم
ورفسه وطرده من البيت .
الفصل
السابع والعشرون
((
يوضح
هذا الفصل عدم لياقة الضحك بالناس
، وفطنة
إبراهيم
))
فضحك
التلاميذ من حمق الشيخ ووقفوا منذهلين
من فطنة إبراهيم ، ولكن يسوع وبخهم قائلا
:
لقد
نسيتم كلام النبي القائل :
( الضحك
العاجل نذير البكاء الآجل )
،
وأيضا (
لا
تذهب إلى حيث الضحك بل اجلس حيث ينوحون،
لأن هذه الحياة تنقضي في الشقاء )
،
ثم قال يسوع :
ألا
تعلمون أن الله في زمن موسى مسخ ناسا
كثيرين في مصر حيوانات مخوفة ، لأنهم
ضحكوا واستهزؤا بالآخرين ، احذروا من أن
تضحكوا من أحد ما لأنكم بكاءا تبكون بسببه
، فأجاب التلاميذ :
أننا
ضحكنا من حماقة الشيخ ، فأجاب حينئذ يسوع
:
الحق
أقول لكم كل نظير يحب نظيره فيجد في ذلك
مسرة ، ولذلك لو لم تكونوا أغبياء لما
ضحكتم من الغباوة ، أجابوا :
ليرحمنا
الله ، قال يسوع ليكن كذلك ، حينئذ قال
فيلبس :
يا
معلم كيف حدث أن أبا إبراهيم أحب أن يحرق
ابنه ؟ ، أجاب يسوع :
لما
بلغ إبراهيم اثنتي عشرة سنة من العمر قال
أبوه يوما ما (
غدا
عيد كل الآلهة ، فلذلك سنذهب إلى الهيكل
الكبير ونحمل هدية لإلهي بعل العظيم ،
وأنت تنتخب لنفسك إلها ، لأنك بلغت سنا
يحق لك معه اتخاذ إله )
،
فأجاب إبراهيم بمكر (
سمعا
وطاعة يا أبي )
،
فبكر في الصباح إلى الهيكل قبل كل أحد ،
ولكن إبراهيم كان يحمل تحت صدرته فأسا
مستورة ، فلما دخلا الهيكل وازداد الجمع
خبأ إبراهيم نفسه وراء صنم في ناحية مظلمة
في الهيكل ، فلما انصرف أبوه ظن أن إبراهيم
سبقه إلى البيت ولذلك لم يمكث ليفتش عليه
.
الفصل
الثامن والعشرون
ولما
انصرف كل أحد من الهيكل اقفل الكهنة الهيكل
وانصرفوا ، فأخذ
إبراهيم
إذ ذاك الفأس وقطع قوائم جميع الأصنام
إلا الإله الكبير بعلا ، فوضع الفأس عند
قوائمه بين جذاذ التماثيل التي تساقطت
قطعا لأنها كانت قديمة العهد ومؤلفة من
أجزاء ، ولما كان إبراهيم خارجا من الهيكل
رآه جماعة من الناس فظنوا انه دخل ليسرق
شيئا من الهيكل فأمسكوه ، ولما بلغوا به
الهيكل ورأوا آلهتهم محطمة قطعا صرخوا
منتخبين:
( اسرعوا
يا قوم ولنقتل الذي قتل آلهتنا )
،
فهرع إلى هناك نحو عشرة آلاف رجل مع الكهنة
وسألوا إبراهيم عن السبب الذي لأجله حطم
آلهتهم ، أجاب إبراهيم :
( إنكم
لأغبياء ، أيقتل الإنسان الله ، إن الذي
قتلها إنما هو الإله الكبير ، ألا ترون
الفأس التي له عند قدميه ، إنه لا يبتغي
له اندادا )
فوصل
حينئذ أبو إبراهيم الذي ذكر أحاديث إبراهيم
في آلهتهم ، وعرف الفأس التي حطم بها
إبراهيم الأصنام ، فصرخ :
إنما
قتل آلهتنا ابني الخائن هذا لأن هذه الفأس
فأسي ، وقص عليهم كل ما جرى بينه وبين ابنه
، فجمع القوم مقدارا كبيرا من الحطب ،
وربطوا يدي إبراهيم ورجليه ،ووضعوه على
الحطب ووضعوا نارا تحته ، فإذا الله قد
أمر النار بواسطة ملاكه جبريل الا تحرق
عبده إبراهيم ، فاضطرمت النار باحتدام
وحرقت نحو ألفي رجل من الذين حكموا على
إبراهيم بالموت ، أما إبراهيم فقد وجد
نفسه مطلق السراح إذ حمله ملاك الله إلى
مقربة من بيت أبيه دون أن يرى من حمله ،
وهكذا نجا إبراهيم من الموت .
الفصل
التاسع والعشرون
حينئذ
قال فيلبس :
ما
أعظم هي رحمة الله للذين يحبونه ، قل لنا
يا معلم كيف وصل إلى معرفة الله ، أجاب
يسوع :
لما
بلغ إبراهيم جوار بيت أبيه خاف أن يدخل
البيت ، فانتقل إلى بعد البيت وجلس تحت
شجرة نخل حيث لبث منفردا ، وقال :
( لا
بد من وجود إله ذي حياة وقوة أكثر من
الإنسان لأنه يصنع الإنسان ، والإنسان
بدون الله لا يقدر أن يصنع الإنسان )
،
حينئذ
التفت
حوله وأجال نظره في النجوم والقمر والشمس
فظن أنهـا هي الله ، ولكن بعد التبصر في
تغيراتها وحركاتها قال:
( يجب
الا تطرأ على الله الحركة ولا تحجبه
الغيوم والا فني الناس )
،
وبينما هـو متحير سمع اسمه ينادي :
( يا
إبراهيم )
،
فلما التفت ولم ير أحد في جهة قال :
( اني
قد سمعت يا إبراهيم )
،
ثم سمع كذلك اسمه ينادى مرتين اخريين (
يا
إبراهيم)،
فأجاب :
( من
يناديني ؟ )
،
حينئذ سمع قائلا يقول :
( انه
أنا ملاك الله جبريل )
،
فارتاع إبراهيم ، ولكن الملاك سكن روعه
قائلا :
( لا
تخف يا إبراهيم لأنك خليل الله ، فانك لما
حطمت آلهة الناس تحطيما اصطفاك إله
الملائكة والأنبياء حتى إنك كتبت في سفر
الحياة )
،
حينئذ قال إبراهيم (
ماذا
يجب علي أن أفعل لأعبد إله الملائكة
والأنبياء الاطهار ؟ )
،
فأجاب الملاك :
( اذهب
إلى ذلك الينبوع واغتسل ، لأن الله يريد
أن يكلمك)،
أجاب إبراهيم :
( كيف
ينبغي أن اغتسل ؟ )
،
فتبدى له حينئذ المـلاك يافعا جميلا
واغتسل من الينبوع قائلا :افعل
كذلك بنفسك يا إبراهيم )
،
فلما اغتسل إبراهيم قال الملاك (
ارتق
ذلك الجبل لأن الله يريد أن يكلمك هناك )
،
فارتقى إبراهيم الجبل كما قال له الملاك
، ولما جثا على ركبتيه قال لنفسه (
متى
يا ترى يكلمني إله الملائكة ؟ )
،
فسمع صوتا لطيفا يناديه (
يا
إبراهيم )
،فأجابه
إبراهيم :
( من
يناديني ؟ )
،
فأجاب الصوت :
( أنا
إلهك يا إبراهيم )
،
أما إبراهيم فارتاع وعفر بوجهه الأرض
قائلا :
( كيف
يصغي عبدك اليك وهو تراب ورماد ؟ )
،
حينئذ قال الله (
لا
تخف بل انهض لاني قد اصطفيتك عبدا لي واني
أريد أن أباركك وأجعلك شعبا عظيما ، فاخرج
إذا من بيت أبيك وأهلك وتعالى اسكن في
الأرض التي اعطيكها أنت ونسلك ، فأجاب
إبراهيم :
( إني
لفاعل كل ذلك يا رب ولكن احرسني لكي لا
يضرني إله آخر )
،
فتكلم الله قائلا :
( أنا
الله أحد ، ولا إله غيري ، أضرب وأشفى ،
أميت وأحي ، أنزل الجحيم وأخرج منه، ولا
يقدر أحد أن ينقذ نفسه من يدي )
،
ثم أعطاه الله عهد الختان وهكذا عرف الله
أبونا إبراهيم ، ولما قال يسوع هذا رفع
يديه قائلا :
الكرامة
والمجد لك يا الله ، ليكن كذلك .
الفصل
الثلاثون
وذهب
يسوع إلى أورشليم قرب المظال وهو أحد
أعياد امتنا ، فلما علم هذا الكتبة
والفريسيون تشاوروا ليتسقطوه بكلامه ،
فلذلك جاء اليه فقيه قائلا:
يا
معلم ماذا يجب أن أفعل لأحصل على الحياة
الأبدية ؟ ، أجاب يسوع :
كيف
كتب في الناموس ؟ أجاب قائلا :
أحب
الرب إلهك وقريبك ، أحب إلهك فوق كل شيء
بكل قلبك وعقلك ، وقريبك كنفسك ، أجاب
يسوع:
أجبت
حسنا ، واني أقول لك اذهب وافعل هكذا تكن
لك الحياة الابدية ، فقال له :
من
هو قريبي ؟ ، أجاب يسوع رافعا طرفه :
كان
رجل نازلا من أورشليم ليذهب إلى أريحا
مدينة اعيد بناؤها تحت اللعنة ، فأمسك
اللصوص هذا الرجل على الطريق وجرحوه
وعرّوه ، ثم انصرفوا وتركوه مشرفا على
الموت ، فاتفق أن مر كاهن بذلك الموضع ،
فلما رأى الجريح سار دون أن يحييه ، ومر
مثله لاوى دون أن يقول كلمة ، واتفق ان مر
(
أيضا)
سامري
، فلما رأى الجريح عطف عليه وترجل عن فرسه
وأخذ الجريح وغسل جراحه بخمر ودهنها بدهن
، وبعد ان ضمد جراحه وعزاه اركبه على فرسه
،ولما بلغ في المساء النزل سلمه الى عناية
صاحبه ، ولمـا نهض صباحا قال :
اعتن
بهذا الرجل وأنا أدفع لك كل شيء ، وبعد ان
قدم اربع قطع من الذهب للعليل لأجل صاحب
النزل قال :
تعز
لأني أعود سريعا واذهب بك الى بيتي ، قال
يسوع :
قل
لي أيهما كان القريب؟، أجاب الفقيه :
الذي
أظهر الرحمة ، حينئذ قال يسوع :
قد
أجبت بالصواب ، فاذهب وافعل كذلك ، فانصرف
الفقيه بالخيبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق