بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 أبريل 2012

الجزء الرابع عشر




 
الفصل الحادي والثلاثون بعد المئة

      وبعد صلاة الليل اقترب التلاميذ من يسوع وقالوا: يا معلم ماذا يجب أن نفعل لكي نتخلص من الكبرياء، فأجاب يسوع: هل رأيتم فقيرا مدعوا الى بيت عظيم ليأكل خبزا؟، أجاب يوحنا: اني أكلت خبزا في بيت هيرودس، لاني قبل أن عرفتك كنت أذهب لصيد السمك وأبيعه لبيت هيرودس، فجئتهم يوما الى هناك وهو في وليمة بسمكة نفيسة فأمرني بأن أبقى وآكل هناك، فقال حينئذ يسوع: كيف أكلت خبزا مع الكفار؟ ليغفر لك الله يا يوحنا، ولكن قل لي كيف تصرفت على المائدة؟، أطلبت أن يكون لك المحل الأرفع، أطلبت أشهى الطعام؟، أتكلمت على المائدة وأنت لم تسأل؟ أحسبت نفسك أكثر أهلية للجلوس الى المائدة من الآخرين؟، أجاب يوحنا لعمر الله اني لم أجسر أن أرفع عيني لأني صياد سمك فقير ومرتد ثيابا رثة جالس مع حاشية الملك، فكنت متى ناولني الملك قطعة صغيرة أخال العالم هبط على رأسي لعظم المنة التي أحسن بها الملك الي، والحق أقول أنه لو كان الملك من شريعتنا لخدمته طول ايام حياتي فأجاب يسوع: صه يا يوحنا لأني أخشى أن يطرحنا الله في الهاوية لكبريائنا كأبيرام، فارتعد التلاميذ خوفا من كلام يسوع فعاد وقال: لنخش الله لكي لا يطرحنا في الهاوية لكبريائنا، أسمعتم أيها الاخوة من يوحنا ما صنع في بيت أمير، ويل للبشر الذين أتوا الى العالم لانهم كما يعيشون في الكبرياء سيموتون في المهانة وسيذهبون الى الاضطراب، فان هذا العالم بيت يولم الله فيه للبشر حيث أكل كل الاطهار وأنبياء الله، والحق أقول لكم أن كل ما ينال الانسان إنما يناله من الله ، لذلك يجب على الإنسان أن يتصرف بأعظم ضعة عارفا حقارته وعظمة الله مع كرمه العظيم الذي يغذينا به، لذلك لا يجوز للمرء أن يقول: لماذا فعل هذا أو قيل هذا في العالم؟ بل يجب عليه أن يحسن نفسه كما هو في الحقيقة غير أهل أن يقف في العالم على مائدة الله، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أنه مهما كان الشيء الذي يناله الانسان من الله في العالم صغيرا فانه يجب عليه في مقابلته أن يصرف حياته حبا في الله، لعمر الله انك لم تخطئ يا يوحنا لأنك واكلت هيرودس فانك فعلت ذلك بتدبير الله لتكون معلمنا نحن وكل من يخشى الله ثم قال يسوع لتلاميذه: هكذا افعلوا لتعيشوا في العالم كما عاش يوحنا في بيت هيرودس عندما أكل خبزا معه، لأنكم هكذا تكونون بالحق خالين من كل كبرياء
            
الفصل الثاني والثلاثون بعد المئة

     ولما كان يسوع ماشيا على شاطئ بحر الجليل أحاط به جمهور غفير من الناس فركب سفينة صغيرة منفردة كانت على بعد قليل من الشاطئ فرست على مقربة من البر بحيث يمكن سماع صوت يسوع، فاقتربوا جميعا من البحر وجلسوا ينتظرون كلمته ففتح حينئذ فاه وقال: هاهو ذا قد خرج الزارع ليزرع، فبينما كان يزرع سقط بعض البذور على الطريق فداسته أقدام الناس وأكلته الطيور، وسقط بعض على الحجارة فلما نبت احرقته الشمس اذ لم يكن فيه رطوبة، وسقط بعض على السياج فلما طلع الشوك خنق البذور، وسقط بعض على الارض الجيدة فأثمر ثلاثين وستين ومئة ضعف، وقال يسوع أيضا: هاهو ذا أب أسرة زرع بذورا جيدة في حقله، وبينا خدم الرجل الصالح نيام جاء عدو الرجل سيدهم وزرع زوانا فوق البذور الجيدة، فلما نبتت الحنطة رؤي كثير من الزوان نابتا بينها، فجاء الخدم الى سيدهم وقالوا: يا سيد ألم نزرع بذورا جيدة في حقلك؟ فمن أين اذا طلع فيه مقدار وافر من الزوان؟، أجاب السيد: اني زرعت بذورا جيدة ولكن بينا الناس نيام جاء عدو الانسان وزرع زوانا فوق الحنطة، فقال الخدم: أتريد أن نذهب ونقتلع الزوان من بين الحنطة ؟ ، أجاب السيد: لا تفعلوا هكذا لأنكم تقلعون الحنطة معه، ولكن تمهلوا حتى يأتي زمن الحصاد وحينئذ تذهبون وتقتلعون الزوان من بين الحنطة وتطرحونه في النار ليحرق وأما الحنطة فتضعونها في مخزني، وقال يسوع أيضا: خرج أناس كثيرون ليبيعوا تينا فلما بلغوا السوق اذا بالناس لا يطلبون تينا جيدا بل ورقا جميلا، فلم يتمكن القوم من بيع تينهم، فلما رأى ذلك أحد الاهالي الاشرار قال اني لقادر على أن أصير غنيا، فدعا ابنيه(وقال) : ((اذهبا الى واجمعا مقدارا كبيرا من الورق مع تين ردئ)) ، فباعوها بزنتها ذهبا لأن الناس سروا كثيرا بالورق، فلما أكل الناس التين مرضوا مرضا خطيرا، وقال أيضا يسوع: ها هوذا ينبوع لأحد الاهالي يأخذ منه الجيران ماء ليزيلوا به وسخهم، ولكن صاحب الماء يترك ثيابه تنتن، وقال يسوع أيضا: ذهب رجلان ليبيعا تفاحا فأراد احدهما أن يبيع قشر التفاح بزنته ذهبا غير مبال بجوهر التفاح، أما الآخر فأحب أن يهب التفاح ويأخذ قليلا من الخبز لسفره فقط، ولكن الناس اشتروا قشر التفاح بزنته ذهبا ولم يبالوا بالذي أحب أن يهبهم بل احتقروه، وهكذا كلم يسوع الجمع في ذلك اليوم بالامثال، وبعد ان صرفهم ذهب مع تلاميذه الى نايين حيث أقام ابن الارملة الذي قبله وامه الى بيته وخدمه.

الفصل الثالث والثلاثون بعد المئة

     فاقترب تلاميذ يسوع منه وسألوه قائلين: يا معلم قل لنا معنى الامثال التي كلمت بها الشعب، أجاب يسوع: اقتربت ساعة الصلاة فمتى انتهت صلاة المساء افيدكم معنى الامثال، فلما انتهت الصلاة اقترب التلاميذ من يسوع فقال لهم: ان الرجل الذي يزرع البذور على الطريق أو على الحجارة أو على الشوك أو على الارض الجيدة هو من يعلم كلمة الله التي تسقط على عدد غفير من الناس، تقع على الطريق متى جاءت الى اذان البحارة والتجار الذين أزال الشيطان كلمة الله من ذاكرتهم بسبب الاسفار الشاسعة التي يزمعونها وتعدد الامم التي يتجرون معها، وتقع على الحجارة متى جاءت الى اذان رجال البلاط لأنه بسبب شغفهم بخدمة شخص حاكم لا تنفذ اليهم كلمة الله، على انهم وان كان لهم شيء من تذكرها فحالما تصيبهم شدة تخرج كلمة الله من ذاكرتهم، لأنهم وهم لم يخدموا الله لا يقدرون أن يرجوا معونة من الله، وتقع على الشوك متى جاءت الى اذان الذين يحبون حياتهم، لأنهم ـ وان نمت كلمة الله فيهم ـ اذا نمت الاهواء الجسدية خنقت البذور الجيدة من كلمة الله، لأن رغد العيش الجسدي يبعث على هجران كلمة الله، أما التي تقع على الارض الجيدة فهو ما جاء من كلمة الله الى اذني من يخاف الله حيث تثمر ثمر الحياة الابدية، الحق أقول لكم ان كلمة الله تثمر في كل حال متى خاف الانسان الله، أما ما يختص بأبي الاسرة فالحق أقول لكم انه الله ربنا أب كل الأشياء لأنه خلق الأشياء كلها، ولكنه ليس أباً على طريقة الطبيعة لأنه غير قادر على الحركة التي لا يمكن التناسل بدونها، فهو إذا إلهنا الذي يخصه هذا العالم، والحقل الذي يزرع فيه هو الجنس البشري، والبذار هو كلمة الله، فمتى أهمل المعلمون التبشير بكلمة الله لانشغالهم بتشاغل العالم زرع الشيطان ضلالا في قلب البشر ينشأ عنه شفيع لا تحصى من التعليم الشرى، فيصرخ الاطهار والأنبياء:   (( يا سيد ألم تعط تعليما صالحا للبشر فمن أين اذا الاضاليل الكثيرة؟))، فيجيب الله: (( اني أعطيت البشر تعليما صالحا ولكن بينما كان البشر منقطعين الى الباطل زرع الشيطان ضلالا يبطل شريعتي، فيقول الاطهار: (( يا سيد اننا نبدد هذه الاضاليل باهلاك البشر)) ، فيجيب الله: (( لا تفعلوا هذا لان المؤمنين يهلكون مع الكافرين، ولكن تمهلوا الى الدينونة، لأنه في ذلك الوقت ستجمع ملائكتي الكفار فيقعون مع الشيطان في الجحيم والمؤمنون يأتون الى مملكتي))، ومما لا ريب فيه أن كثيرين من الاباء الكفار يلدون ابناء مؤمنين لأجلهم امهل الله العالم ليتوب.

الفصل الرابع والثلاثون بعد المئة

     أما الذين يثمرون تينا حسنا فهم المعلمون الحقيقيون الذين يبشرون بالتعليم الصالح، ولكن العالم الذي يسر بالكذب يطلب من المعلمين أوراقا من الكلام والمداهنة المزوقين، فمتى رأى الشيطان ذلك اضاف نفسه مع الجسد والحس وأتى بمقدار وافر من الاوراق أي مقدار من الاشياء الارضية التي يعطي بها الخطيئة، فمتى أخذها الانسان اعتل وأمسى على وشك الموت الأبدي، أما أحد الاهالي الذي عنده ماء ويعطي ماءه للآخرين ليغسلوا وسخهم ويترك ثيابه تنتن فهو المعلم الذي يبشر الاخرين بالتوبة أما هو نفسه فيلبث في الخطيئة، ما أتعس هذا الانسان لأن لسانه نفسه يخط في الهواء القصاص الذي هو أهل له لا الملائكة، لو كان لأحد لسان فيل وكان سائر جسده صغيرا بقدر نملة أفلا يكون هذا الشيء من خوارق الطبيعة؟، بلى البتة، فالحق أقول لكم أن من يبشر الآخرين بالتوبة ولا يتوب هو عن خطاياه لأشد غرابة من ذاك، أما الرجلان بائعا التفاح فأحدهما من يبشر لأجل محبة الله، فهو لذلك لا يداهن أحدا بل يبشر بالحق طالبا معيشة فقير فقط، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان العالم لا يقبل رجلا كهذا بل هو حري بأن يحتقره، ولكن من يبيع القشر بزنته ذهبا ( ويهب التفاحة ) فإنما هو من يبشر ليرضى الناس، وهكذا متى داهن العالم أتلف النفس التي تتبع مداهنته، آه كم وكم من اناس هلكوا لهذا السبب؟، حينئذ أجاب الكاتب وقال: كيف يجب على الانسان أن يصغي الى كلمة الله وكيف يمكن لأحد أن يعرف الذي يبشر لأجل محبة الله؟، أجاب يسوع: انه يجب أن يصغي الى من يبشر متى بشر بتعليم صالح كان المتكلم هو الله لكنه يتكلم بفمه، ولكن من يترك التوبيخ على الخطايا محابيا بالوجوه ومداهنا اناس خصوصيين فيجب تجنبه كأفعى مخوفة لأنه بالحقيقة يسم القلب البشري، أتفهمون؟، الحق أقول لكم انه كما لا حاجة بالجريح الى عصائب جميلة لعصب جراحه بل يحتاج بالحري الى مرهم جيد هكذا لا حاجة بالخاطئ الى كلام مزوق بل بالحرى الى توبيخات صالحة لكي ينقطع عن الخطيئة.

الفصل الخامس والثلاثون بعد المئة

     فقال حينئذ بطرس:يا معلم قل لنا كيف يعذب الهالكون وكم يبقون في الجحيم لكي يهرب الانسان من الخطيئة؟، أجاب يسوع: يا بطرس قد سألت عن شيء عظيم ومع ذلك فاني ان شاء الله مجيبك، فاعلموا اذا ان الجحيم هي واحدة ومع ذلك فان له سبع دركات الواحدة منها دون الاخرى، فكما ان للخطيئة سبعة أنواع اذ أنشأها الشيطان نظير سبعة أبواب للجحيم كذلك يوجد فيها سبعة أنواع من العذاب، لأن المتكبر أي الأشد ترفعا في قلبه سيزج في أسفل دركة مارا في سائر الدركات التي فوقه ومكابدا فيها جميع الآلام الموجودة فيها، وكما انه يطلب هنا أن يكون اعظم من الله لأنه يريد أن يفعل ما يعن له مما يخالف ما أمر به الله ولا يعترف بأن أحدا فوقه فهكذا يوضع تحت أقدام الشيطان وشياطينه، فيدوسونه كما يداس العنب عند صنع الخمر وسيكون اضحوكة وسخرية للشياطين، والحسود الذي يحتدم غيظا لفلاح قريبه ويتهلل لبلاياه يهبط الى الدركة السادسة، وهناك تنهشه أنياب عدد غفير من أفاعي الجحيم، ويخيل له ان كل الاشياء في الجحيم تبتهج لعذابه وتتأسف لأنه لم يهبط الى الدركة السابعة، فلذلك فان عدل الله يخيل للحسود التعيس ذلك على اعواز الملعونين الفرح كما يخيل للمرء في حلم ان شخصا يرفسه فيتعذب، تلك هي الغاية التي أمام الحسود التعيس، ويخيل اليه حيث لا مسرة على الاطلاق ان كل أحد يبتهج لبليته ويتأسف ان التنكيل به لم يكن أشد، أما الطماع فيهبط الى الدركة الخامسة حيث يلم به فقر مدقع كما ألمّ بصاحب الولائم الغني، وسيقدم له الشياطين زيادة في عذابه ما يشتهي، فاذا صار في يديه اختطفته شياطين اخرى بعنف ناطقين بهذه الكلمات: (اذكر أنك لم تحب أن تعطي لمحبة الله ولذلك فلا يريد الله أن تنال) ، ما أتعسه من انسان، فانه سيرى نفسه في تلك الحال فيذكر سعة العيش الماضي ويشاهد فاقة الحاضر، وانه بالخيرات التي لا يقدر على الحصول عليها حينئذ كان يمكنه ان ينال النعيم الأبدي!، أما الدركة الرابعة فيهبط اليها الشهوانيون حيث يكون الذين قد غيروا الطريق التي أعطاهم الله كحنطة مطبوخة في براز الشيطان المحترق، وهناك تعانقهم الافاعي الجهنمية، وأما الذين كانوا قد زنوا بالبغايا فستتحول كل أعمال هذه النجاسة فيهم الى غشيان جنيات الجحيم اللواتي هن شياطين بصور نساء شعورهن من أفاع وأعينهن كبريت ملتهب وفمهن سام ولسانهن علقم وجسدهن محاط بشصوص مريشة بسنان شبيهة بالتي تصاد بها الاسماك الحمقاء ومخالبهن كمخالب العقبان وأظافرهن أمواس وطبيعة أعضائهن التناسلية نار، فمع هؤلاء يتمتع الشهوانيون على جمر الجحيم الذي سيكون سريرا لهم، ويهبط الى الدركة الثالثة الكسلان الذي لا يشتغل الآن، هنا تشاد مدن وصروح فخمة، ولا تكاد تنجز حتى تهدم توا لأنه ليس فيها حجر موضوع في محله، فتوضع هذه الحجارة الضخمة على كتفي الكسلان الذي لا يكون مطلق اليدين فيبرد جسده وهو ماش ويخفف الحمل، لأن الكسل قد أزال قوة ذراعيه، وساقاه مكبلتان بأفاعي الجحيم، وأنكى من ذلك ان وراءه الشياطين تدفعه وترمي به الارض مرات متعددة وهو تحت العبء، ولا يساعده أحد في رفعه، بل لما كان أثقل من أن يرفع يوضع عليه مقدار مضاعف، ويهبط الى الدركة الثانية النهم، فيكون هناك قحط الى حد ان لا يوجد شيء يؤكل سوى العقارب الحية والافاعي الحية التي تعذب عذابا أليما حتى انهم لو لم يولدوا لكان خيرا لهم من أن يأكلوا مثل هذا الطعام، وستقدم لهم الشياطين بحسب الظاهر أطعمة شهية، ولكن لما كانت أيديهم وأرجلهم مغلولة بأغلال من نار لا يقدرون أن يمدوا يدا اذا بدا لهم الطعام، وأنكى من ذلك أنه لما كانت هذه العقارب نفسها التي يأكلها لتلتهم بطنه غير قادرة على الخروج سريعا فانها تمزق سوءة النهم، ومتى خرجت نجسة وقذرة على ما هي عليه تؤكل مرة اخرى، ويهبط المستشيط غضبا الى الدركة الاولى حيث يمتهنه كل الشياطين وسائر الملعونين الذين هم أسفل منه مكانا، فيرفسونه ويضربونه ويضجعونه على الطريق التي يمرون عليها واضعين أقدامهم على عنقه، ومع هذا فهو غير قادر على المدافعة عن نفسه لان يديه ورجليه مربوطة، وأنكى من ذلك انه غير قادر على اظهار غيظه باهانة الآخرين لأن لسانه مربوط بشص شبيه بما يستعمله بائع اللحوم، ففي هذا المكان الملعون يكون عقاب عام يشمل كل الدركات كمزيج من حبوب عديدة يصنع منه رغيف، لأنه ستتحد بعدل الله النار والجمد والصواعق والبرق والكبريت والحرارة والبرد والريح والجنون والهلع على طريقة لا يخفف فيها البرد الحرارة ولا النار الجليد بل يعذب كل منها الخاطئ التعيس تعذيبا.
        
الفصل السادس والثلاثون بعد المئة

    ففي هذه البقعة الملعونة يقيم الكافرون الى الابد، حتى لو فرض ان العالم ملئ حبوب دخن وكان طير واحد يحمل حبة واحدة منها كل مئة سنة الى انقضاء العالم لسر الكافرون لو كان يتاح لهم بعد انقضائه الذهاب الى الجنة، ولكن ليس لهم هذا الامل اذ ليس لعذابهم من نهاية، لأنهم لم يريدوا أن يضعوا حدا لخطيئتهم حبا في الله، أما المؤمنون فسيكون لهم تعزية لأن لعذابهم نهاية، فذعر التلاميذ لما سمعوا هذا وقالوا: أيذهب اذا المؤمنون الى الجحيم؟، أجاب يسوع: يتحتم على كل أحد أيا كان أن يذهب الى الجحيم، بيد ان ما لا مشاحة فيه ان الاطهار وأنبياء الله إنما يذهبون الى هناك ليشاهدوا لا ليكابدوا عقابا ، أما الأبرار فانهم لا يكابدون الا الخوف ، وماذا أقول ؟ افيدكم أنه حتى رسول الله يذهب إلى هناك ليشاهد عدل الله ، فترتعد ثمة الجحيم لحضوره، وبما انه ذو جسد بشري يرفع العقاب عن كل ذي جسد بشري من المقضي عليهم بالعقاب فيمكث بلا مكابدة عقاب مدة اقامة رسول الله لمشاهدة الجحيم ، ولكنه لا يقيم هناك إلا طرفة عين، وإنما يفعل الله هذا ليعرف كل مخلوق أنه نال نفعا من رسول الله ، ومتى ذهب إلى هناك ولولت الشياطين وحاولت الاختباء تحت الجمر المتقد قائلا بعضهم لبعض : اهربوا اهربوا فان عدونا محمد قد أتى، فمتى سمع الشيطان ذلك يصفع وجهه بكلتا كفيه ويقول صارخا: (( ذلك بالرغم عني لأشرف مني وهذا إنما فعل ظلما))، أما ما يختص بالمؤمنين الذين لهم اثنان وسبعون درجة مع أصحاب الدرجتين الاخيرتين الذين كان لهم ايمان بدون اعمال صالحة اذ كان الفريق الاول حزينا على الاعمال الصالحة والاخر مسرورا بالشر ، فسيمكثون جميعا في الجحيم سبعين ألف سنة، وبعد هذه السنين يجيء الملاك جبريل الى الجحيم ويسمعهم يقولون: يا محمد أين وعدك لنا ان من كان على دينك لا يمكث في الجحيم الى الابد، فيعود حينئذ ملاك الله الى الجنة وبعد أن يقترب من رسول الله باحترام يقص عليه ما سمع، فحينئذ يكلم الرسول الله ويقول: ربي وإلهي اذكر وعدك لي أنا عبدك بأن لا يمكث الذين قبلوا ديني في الجحيم الى الابد، فيجيب الله: اطلب ما تريد يا خليلي لأني أهبك كل ما تطلب.

الفصل السابع والثلاثون بعد المئة

     فحينئذ يقول رسول الله: يا رب يوجد من المؤمنين في الجحيم من لبث سبعين ألف سنة، أين رحمتك يا رب؟، اني أضرع اليك يا رب أن تعتقهم من هذه العقوبات المرة، فيأمر الله حينئذ الملائكة الاربعة المقربين لله أن يذهبوا الى الجحيم ويخرجوا كل من على دين رسوله ويقودوه الى الجنة، وهو ما سيفعلونه، ويكون من مبلغ جدوى دين رسول الله ان كل من آمن به يذهب الى الجنة بعد العقوبة التي تكلمت عنها حتى ولو لم يعمل عملا صالحا لأنه مات على دينه.
          
الفصل الثامن والثلاثون بعد المئة

     ولما طلع الصباح جاء باكرا رجال المدينة كلهم مع النساء والاطفال الى البيت الذي كان فيه يسوع وتلاميذه، وتوسلوا اليه قائلين: يا سيد ارحمنا لأن الديدان قد أكلت في هذه السنة الحبوب ولا نحصل في هذه السنة على خبز في أرضنا، أجاب يسوع: ما هذا الخوف الذي أنتم فيه؟، ألا تعلمون ان ايليا خادم الله لم ير خبزا مدة اضطهاد أخاب له ثلاث سنين مغتذيا بالبقول والثمار البرية فقط؟، وعاش داود أبونا نبي الله مدة سنتين على الثمار البرية والبقول اذ اضطهده شاول حتى انه لم يذق الخبز سوى مرتين، أجاب القوم: انهم كانوا أيها السيد أنبياء الله يغتذون بالمسرة الروحية ولذلك احتملوا كل شيء، ولكن ماذا يصيب هؤلاء الصغار؟ ثم أروه جمهور أطفالهم، حينئذ تحنن يسوع على شقائهم وقال: كم بقي للحصاد؟، فأجابوا: عشرون يوما، فقال يسوع: يجب أن ننقطع مدة هذه العشرين يوما للصوم والصلاة لأن الله سيرحمكم، الحق أقول لكم ان الله قد أحدث هذا القحط لأنه ابتدأ هنا جنون الناس وخطيئة اسرائيل اذ قالوا انني انا الله وابن الله، وبعد ان صاموا تسعة عشر يوما شاهدوا في صباح اليوم العشرين الحقول والهضاب مغطاة بالحنطة اليابسة، فأسرعوا الى يسوع وقصوا عليه كل شيء، فلما سمع يسوع ذلك شكر الله وقال: اذهبوا أيها الاخوة واجمعوا الخبز الذي أعطاكم اياه الله، فجمع القوم مقدارا وافرا من الحنطة حتى انهم لم يعرفوا أين يضعوه، وكان ذلك سبب سعة في اسرائيل، فتشاور الاهالي لينصبوا يسوع ملكا عليهم، فلما عرف ذلك هرب منهم، ولذلك اجتهد التلاميذ خمسة عشر يوما ليجدوه.

الفصل التاسع والثلاثون بعد المئة

     أما يسوع فوجده الذي يكتب ويعقوب ويوحنا، فقالوا وهم باكون يا معلم لماذا هربت منا؟، فلقد طلبناك ونحن حزانى بل ان التلاميذ كلهم طلبوك باكين، فأجاب يسوع : إنما هربت لأني علمت أن جيشا من الشياطين يهيء لي ما سترونه بعد برهة وجيزة، فسيقوم على رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وسيطلبون أمرا من الحاكم الروماني بقتلي، لأنهم يخافون أن أغتصب ملك اسرائيل، وعلاوة على هذا فان واحدا من تلاميذي يبيعني ويسلمني كما بيع يوسف الى مصر، ولكن الله العادل سيوثقه كما يقول النبي داود: ( من نصب فخا لأخيه وقع فيه)، ولكن الله سيخلصني من أيديهم وسينقلني من العالم، فخاف التلاميذ الثلاثة، ولكن يسوع عزاهم قائلا: لا تخافوا لأنه لا يسلمني أحد منكم، فكان لهم بهذا شيء من العزاء، وجاء في اليوم التالي ستة وثلاثون تلميذا من تلاميذ يسوع مثنى مثنى، ومكث في دمشق ينتظر الباقين، وحزن كل منهم لأنهم عرفوا أن يسوع سينصرف من العالم، لذلك فتح فاه وقال: ان من يسير دون أن يعلم الى أين يذهب لهو تعيس، وأتعس منه من هو قادر ويعرف كيف يبلغ نزلا حسنا ومع ذلك يريد أن يمكث في الطريق القذرة والمطر وخطر اللصوص، قولوا لي أيها الاخوة هل هذا العالم وطننا؟ لا البتة فان الانسان الاول طرد الى العالم منفيا ، فهو يكابد فيه عقوبة خطأه، أيمكن أن يوجد منفي لا يبالي بالعودة الى وطنه الغني وقد وجد نفسه في الفاقة؟، حقا ان العقل لينكر ذلك ولكن الاختبار يثبته بالبرهان، لأن محبي العالم لا يفكرون في الموت، بل عندما يكلمهم عنه أحد لا يصغون الى كلامه

الفصل الاربعون بعد المئة

      صدقوني أيها القوم اني جئت الى العالم بامتياز لم يعط الى بشر حتى انه  لم يعط لرسول الله لأن إلهنا لم يخلق الانسان ليبقيه في العالم بل ليضعه في الجنة، ومن المحقق ان من لا امل له ان ينال شيئا من الرومانيين لأنهم من شريعة غريبة عنه لا يريد ان يترك وطنه وكل ما عنده ويذهب ليتوطن رومية على ان لا يعود، ويكون ميله الى ذلك أقل جدا اذا هو اغاظ قيصر، فالحق أقول لكم انه هكذا يكون وسليمان نبي الله يصرح معي: ( ما أمر ذكراك ايها الموت للذين يتنعمون في ثروتهم)، اني لا أقول هذا لان علي ان اموت الآن، واني عالم باني سأحيا الى نحو منتهى العالم، ولكن أكلمكم بهذا لكي تتعلموا كيف تموتون، لعمر الله اذا اسيء عمل شيء ولو مرة دل على انه لابد من التمرن عليه اذا اريد اتقانه، ارايتم كيف تتمرن الجنود في زمن السلم بعضهم مع بعض كأنهم يتحاربون؟، وكيف يتاح لمن يتعلم كيف يحسن الموت ان يموت ميتة صالحة، قال النبي داود: ( ثمين في نظر الرب موت الطاهرين)، اتدرون لماذا؟، اني افيدكم، انه لما كانت الاشياء النادرة ثمينة وكان موت الذين يحسنون الموت نادرا كان ثمينا في نظر الله خالقنا، فمن المؤكد انه متى شرع المرء في امر لا يريد ان ينجزه فقط ولكنه يكدح حتى يكون لغرضه نتيجة حسنة، يا لك من رجل شقي يفضل سراويلاته على نفسه، لانه عندما يفصل القماش يقيسه جيدا قبل تفصيله ومتى فصله خاطه باعتناء، اما حياته التي ولدت لتموت ـ اذ لا يموت الا من يولد ـ فلماذا لايقيسها الانسان بالموت؟، ارأيتم البنائين كيف لا يضعون حجرا الا والاساس نصب عيونهم فيقيسونه ليروا اذا كان مستقيما لكيلا يسقط الجدار؟، يا له من رجل تعيس لان بنيان حياته سيتهدم شر تهدم لانه لا ينظر الى اساس الموت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بالجميع فط راسلنى على البريد التالي :
nooral7q@gmail.com