بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 أبريل 2012

الجزء الخامس عشر



الفصل الحادي والاربعون بعد المئة

      قولوا لي كيف يولد الانسان متى ولد؟، حقا انه ولد عريانا، وأي جدوى متى وسِّد ميتا تحت الثرى؟، ليس سوى خرقة يلف بها وهذا هو الجزاء الذي يعطيه اياه العالم، فاذا كان يجب في كل عمل أن تكون الوسيلة على نسبة البداية والنهاية ليمكن ايصال العمل الى نهاية حسنة فما عسى أن تكون نهاية الانسان الذي يشتهي الثروة العالمية؟، انه ليموت كما يقول داود نبي الله: ( ان الخاطئ ليموتن شر ميتة)، اذا حاول خياط أن يدخل جذوعا في سم ابرة بدلا من خيط فما يكون مصير عمله، انه ليحاول عبثا وجيرانه يزدرون به، فالانسان لا يرى انه فاعل هذا على الدوام وهو يجمع الخيرات الارضية، لأن الموت هو الابرة التي لا يمكن ادخال جذوع الخيرات الارضية في سمها، ومع ذلك فهو بجنونه يحاول على الدوام أن يفلح في عمله ولكن عبثا، ومن لا يصدق هذا في كلامي فليتفرس في القبور لأنه هناك يجد الحق، فمتى أراد أن يبرز في الحكمة على من سواه في خوف فليطالع كتاب القبر، لأنه هناك يجد التعليم الحقيقي لخلاصه، فانه متى رأى ان جسد الانسان يحفظ ليكون طعاما للديدان تعلَّم أن يحذر العالم والجسد والحس، قولوا لي اذا كان هناك طريق على حال يكون اذا سار معها المرء في الوسط سارآمنا فاذا سارعلى الجانبين شج رأسه، فماذا تقولون اذا رأيتم الناس يختصمون ويتبارون ليكونوا أقرب الى الجانب ويقتلوا أنفسهم؟، ما أشد ما يكون عجبكم! حقا انكم تقولون: انهم لمعتوهون ومجانين وإنهم إذا لم يكونوا مجانين فإنما هم بائسون، أجاب التلاميذ: إن ذلك لصحيح، حينئذ بكى يسوع وقال: إن عشاق العالم إنما هم لكذلك، لأنهم لو عاشوا بحسب العقل الذي اتخذ موضعا متوسطا في الانسان لاتبعوا شريعة الله وخلصوا من الموت الابدي، ولكنهم جنُّوا وأصبحوا أعداءا عتاة لأنفسهم لأنهم يتبعون الجسد والعالم مجتهدين في أن يعيش كل منهم أشد غطرسة وفجورا من الآخر.
 
الفصل الثاني والاربعون بعد المئة

     لما رأى يهوذا الخائن ان يسوع قد هرب يئس من أن يصير عظيما في العالم، لأنه كان يحمل كيس يسوع حيث كان يحفظ فيه كل ما كان يعطى له حبا في الله، فهو قد رجا أن يصير يسوع ملكا على اسرائيل وانه هو نفسه يصبح رجلا عزيزا، فلما فقد هذا الرجاء قال في نفسه: لو كان هذا الرجل نبيا لعرف اني أختلس نقوده ولكان حنق وطردني من خدمته اذ يعلم اني لا اؤمن به، ولو كان حكيما لما هرب من المجد الذي يريد الله أن يعطيه اياه، فالأجدر بي اذا أن أتفق مع رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين ونرى كيف اسلمه الى أيديهم فبهذا أتمكن من تحصيل شيء من النفع، فبعد ان عقد النية أخبر الكتبة والفريسيين عما حدث في نايين، فتشاوروا مع رئيس الكهنة قائلين: (ماذا نفعل لو صار هذا الرجل ملكا؟، حقا ان ذلك يكون وبالا علينا فإنه يريد أن يصلح عبادة الله على حسب السنة القديمة، لأنه لا يقدر أن يبطل تقاليدنا، فكيف يكون مصيرنا تحت سلطان رجل هكذا؟، حقا اننا نهلك نحن وأولادنا لأننا اذا طردنا من وظيفتنا اضطررنا أن نستعطي خبزنا، أما الآن فالحمد لله لنا ملك ووال اجنبيان عن شريعتنا ولا يباليان بشريعتنا كما لا نبالي نحن بشريعتهم، ولذلك نقدر أن نفعل كل ما نريد، فإن أخطأنا فإن إلهنا رحيم يمكن استرضاؤه بالضحية والصوم، ولكن اذا صار هذا الرجل ملكا فلن يسترضى الا اذا رأى عبادة الله كما كتب موسى، وأنكى من ذلك أنه يقول أن مسيا لا يأتي من نسل داود((كما قال لنا أحد تلاميذه الاخصاء)) بل يقول انه يأتي من نسل اسماعيل، وان الموعد صنع باسماعيل لا باسحاق، فماذا يكون الثمر اذا تركنا هذا الانسان يعيش؟، من المؤكد ان الاسماعليين يصيرون ذوي وجاهة عند الرومانيين فيعطونهم بلادنا ملكا، وهكذا يصير اسرائيل عرضة للعبودية كما كان قديما)، فلما سمع رئيس الكهنة هذا الرأي أجاب انه يجب أن يتفق مع هيرودس والوالي، لأن الشعب كثير الميل اليه حتى انه لا يمكننا اجراء شيء بدون الجند، وان شاء الله نتمكن بواسطة الجند من القيام بهذا العمل، فبعد ان تشاوروا فيما بينهم على امساكه ليلا متى رضي الوالي وهيرودس بذلك.

الفصل الثالث والاربعون بعد المئة

     وجاء حينئذ بمشيئة الله كل التلاميذ الى دمشق، وتظاهر في ذلك اليوم يهوذا الخائن أكثر من غيره بمكابدة الحزن على غياب يسوع، لذلك قال يسوع: ليحذر كل أحد من يحاول بدون سبب أن يقيم لك دلائل الحب، وأخذ الله بصيرتنا حتى لا نعلم لأي غرض قال هذا، وبعد مجيء كل التلاميذ قال يسوع: لنرجع الى الجليل لأن ملاك الله ((قال؟)) لي انه يجب علي أن أذهب الى هناك، وعليه جاء يسوع  الى الناصرة في صباح يوم سبت، فلما تبين الاهالي انه يسوع أحب كل أحد أن يراه، حتى ان عشارا اسمه زكا كان قصير القامة بحيث لا يقدر أن يرى يسوع مع كثرة الجمع فتسلق جميزة حتى رأسها، وتربص هناك حتى يمر يسوع في ذلك المكان وهو ذاهب الى المجمع، فلما بلغ يسوع ذلك الموضع رفع عينيه وقال: انزل يا زكا لأني سأقيم في بيتك، فنزل الرجل وقبَّله بفرح وصنع وليمة عظيمة، فتذمر الفريسيون قائلين لتلاميذ يسوع: لماذا ذهب معلمكم ليأكل مع عشارين وخطاة؟، أجاب يسوع: لأي سبب يذهب الطبيب الى بيت المريض؟، قولوا لي أقل لكم لماذا ذهبت الى هناك، أجابوا: ليشفي المرض، أجاب يسوع: فقد قلتم الحق فانه لا حاجة بالاصحاء الى طبيب بل المرضى فقط.
الفصل الرابع والاربعون بعد المئة

     لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الله يرسل أنبياءه وخدامه الى العالم ليتوب الخطأة، ولا يرسلهم لأجل الأبرار لأنه ليس بهم حاجة الى التوبة كما انه لا حاجة بمن كان نظيفا الى الحمام، ولكن الحق أقول لكم لو كنتم فريسيين حقيقيين لسررتم بدخولي على الخطأة لخلاصهم، قولوا لي أتعرفون منشأكم ولماذا ابتدا العالم يقبل الفريسيين؟، اني لأقول لكم انكم لا تعرفونه، فأصيخوا لاستماع كلامي، ان أخنوخ خليل الله الذي صار مع الله بالحق غير مكترث بالعالم نقل الى الفردوس، وهو يقيم هناك الى الدينونة(لأنه متى اقتربت نهاية العالم يرجع الى العالم مع ايليا وآخر)، فلما علم الناس بذلك شرعوا يطلبون الله خالقهم طمعا في الفردوس، لأن معنى الفردوس بالحرف في لغة الكنعانيين((يطلب الله))، لأنه هناك ابتدأ هذا الاسم على سبيل الاستهزاء بالصالحين، لأن الكنعانيين كانوا منغمسين في عبادة الاصنام التي هي عبادة أيد بشرية، وعليه كان الكنعانيون عندما يرون أحدا ممن كان منفصلا من شعبنا عن العالم ليخدم الله قالوا سخرية فريس أي(( يطلب الله))، كأنهم يقولون أيها المجنون ليس لك تماثيل من أصنام فانك تعبد الريح فانظر الى عقباك واعبد آلهتنا، فقال يسوع: الحق أقول لكم إن كل قديسي الله وأنبيائه كانوا فريسيين لا بالاسم مثلكم بل بالفعل نفسه، لأنهم في كل أعمالهم طلبوا الله خالقهم وهجروا مدنهم ومقتنياتهم حبا في الله فباعوها وأعطوها للفقراء حبا في الله.
     
 
الفصل الخامس والاربعون بعد المئة

     لعمر الله لقد كان في زمن ايليا خليل الله ونبيه اثنا عشر جبلا يقطنها سبعة عشر ألف فريسي، ولم يكن بين هذا العدد الغفير منبوذ واحد بل كانوا جميعا مختاري الله، أما الان وفي اسرائيل أكثر من مئة ألف فريسي فعسى ان شاء الله أن يوجد بين كل ألف مختار واحد، فأجاب الفريسيون بحنق: أنحن اذا جميعا منبوذون وتجعل ديانتنا منبوذة؟، أجاب يسوع: اني لا أحسب ديانة الفريسيين الحقيقيين منبوذة بل ممدوحة واني مستعد أن أموت لاجلها، ولكن تعالوا ننظر هل أنتم فريسيون؟، ان ايليا خليل الله كتب اجابة لتضرع تلميذه أليشع كتيبا أودع فيه الحكمة البشرية مع شريعة الله أبينا، فتحير الفريسيون لما سمعوا اسم كتاب ايليا لأنهم عرفوا بتقليداتهم أن لا أحد حفظ هذا التعليم، لذلك أرادوا أن ينصرفوا بحجة اشغال يجب قضاؤها، حينئذ قال يسوع: لو كنتم فريسيين لتركتم كل شغل ولاحظتم هذا لأن الفريسي إنما يطلب الله وحده، لذلك تأخروا بارتباك ليصغوا الى يسوع الذي عاد فقال ، ( ايليا عبد الله ) لأنه هكذا يبتدئ الكتيب ( يكتب هذا لجميع الذين يبتغون أن يسيروا مع الله خالقهم، ان من يحب أن يتعلم كثيرا يخاف الله قليلا، لأن من يخاف الله يقنع بأن يعرف ما يريده الله فقط، ان من يطلب كلاما مزوقا لا يطلب الله الذي لا يفعل الا توبيخ خطايانا، على من يشتهون أن يطلبوا الله أن يحكموا اقفال أبواب بيتهم وشبابيكه، لأن السيد لا يرضى أن يوجد خارج بيته حيث لا يحب، فاحرسوا مشاعركم واحرسوا قلبكم لأن الله لا يوجد خارجا عنا في هذا العالم الذي يكرهه، على من يريدون أن يعملوا أعمالا صالحة أن يلاحظوا أنفسهم لأنه لا يجدي المرء نفعا أن يربح كل العالم ويخسر نفسه، على من يريدون تعليم الآخرين أن يعيشوا أفضل من الآخرين لأنه لا يستفاد شيء ممن يعرف أقل منا نحن، فكيف اذا يصلح الخاطئ حياته وهو يسمع من هو شر منه يعلمه، على من يطلبون الله أن يهرب من محادثة البشر، لان موسى لما كان وحده على جبل سينا وجد الله وكلمه كما يكلم الخليل خليله، على من يطلبون الله أن يخرجوا مرة كل ثلاثين يوما الى حيث يكون أهل العالم، لأنه يمكن أن يعمل في يوم واحد أعمال سنتين من خصوص شغل الذي يطلب الله، عليه متى تكلم أن لا ينظر الا الى قدميه، عليه متى تكلم أن لا يقول الا ما كان ضروريا، عليهم متى أكلوا أن يقوموا عن المائدة وهم دون الشبع، مفكرين كل يوم انهم لا يبلغون اليوم التالي، وصارفين وقتهم كما يتنفس المرء، ليكن ثوب واحد من جلد الحيوانات كافيا، على كتلة التراب أن تنام على الاديم، ليكف كل ليلة ساعتان من النوم، عليه أن لا يبغض أحدا الا نفسه، عليهم أن يكونوا واقفين اثناء الصلاة بخوف كأنهم أمام الدينونة الآتية فافعلوا اذا هذا في خدمة الله مع الشريعة التي أعطاكم اياها الله على يد موسى، لأنه بهذه الطريقة تجدون الله، وانكم ستشعرون في كل زمان ومكان انكم في الله وان الله فيكم، هذا كتيب ايليا أيها الفريسيون لذلك أعود فأقول لكم لو كنتم فريسيين لسررتم بدخولي هنا لأن الله يرحم الخطأة.
            
الفصل السادس والاربعون بعد المئة

     فقال حينئذ زكا: يا سيد انظر فاني اعطى حبا في الله اربعة أضعاف ما أخذت بالربا، حينئذ قال يسوع: اليوم حصل خلاص لهذا البيت، حقا حقا ان كثيرين من العشارين والزوانى والخطأة سيمضون الى ملكوت الله، وسيمضي الذين يحسبون أنفسهم أبرارا الى اللهب الأبدية، فلما سمع الفريسيون هذا انصرفوا حانقين، ثم قال يسوع للذين تحولوا الى التوبة ولتلاميذه: كان لأب ابنان فقال اصغرهما: ( يا أبت أعطني نصيبي من المال) فأعطاه أبوه اياه، فلما اخذ نصيبه انصرف وذهب الى كورة بعيدة حيث بذر كل ماله على الزانيات باسراف، فحدث بعد ذلك جوع شديد في تلك الكورة حتى إن الرجل التعيس ذهب ليخدم أحد الاهالي فجعله راعيا للخنازير في ملكه، وكان وهو يرعاها يخفف جوعه بأكل ثمر البلوط مع الخنازير، ولكنه لما رجع الى نفسه قال: (كم في بيت أبي من سعة العيش وأنا أهلك هنا جوعا، لذلك فلأقم ولأذهب الى أبي وأقل له: (يا أبت أخطأت في السماء اليك فاجعلني كأحد خدمك)، فذهب المسكين وحدث أن أباه رآه قادما من بعيد فتحنن عليه فذهب لملاقاته ولما وصل اليه عانقه وقبله، فانحنى الابن أمام أبيه قائلا: ( يا أبت لقد أخطأت في السماء اليك فاجعلني كأحد خدمك لأني لست مستحقا أن ادعى ابنك)، أجاب الاب: (لا تقل يابني هكذا فأنت ابني ولا أسمح أن تكون عبدا لي)، ثم دعا خدمه وقال: (اخرجوا الحلل وألبسوا ابني اياها وأعطوه سراويل جديدة، اجعلوا الخاتم في اصبعه، واذبحوا حالا العجل المسمن فنطرب، لأن ابني هدا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد).

الفصل السابع والاربعون بعد المئة

     وبينما كانوا يطربون في البيت واذا بالبكر جاء الى البيت، فلما سمعهم يطربون في الداخل تعجب، فدعا أحد الخدم وسأله لماذا كانوا في مثل هذا الطرب، أجاب الخادم: (لقد جاء اخوك فذبح له ابوك العجل المسمن وهم في طرب)، فلما سمع البكر هذا تغيظ غيظا شديدا ولم يدخل البيت، فخرج أبوه اليه وقال له: (يا بني لقد جاء أخوك فتعال اذا وافرح معه)، أجاب الابن بغيظ: (لقد خدمتك خير خدمة فلم تعطني قط حملا لافرح مع اصدقائى، ولكن لما جاء هذا الخسيس الذي انصرف عنك مبذرا نصيبه كله على الزانيات ذبحت العجل المسمن)، أجاب الاب: ( يا بني أنت معي في كل حين وكل مالي فهو لك ولكن هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد)، فازداد الكبير غضبا وقال: ( اذهب وفز فاني لا آكل على مائدة زناة)، وانصرف عن أبيه دون أن يأخذ قطعة واحدة من النقود، ثم قال يسوع: لعمر الله هكذا يكون فرح بين ملائكة الله بخاطئ واحد يتوب، ولما أكلوا انصرف لأنه يريد أن يذهب الى اليهودية، فقال من ثم التلاميذ: يا معلم لا تذهب الى اليهودية لأننا نعلم ان الفريسيين قد ائتمروا مع رئيس الكهنة بك، أجاب يسوع: ان(( اني)) علمت بذلك قبل أن فعلوه، ولكن لا أخاف لأنهم لا يقدرون أن يفعلوا شيئا مضادا لمشيئة الله فليفعلوا كل ما يرغبون، فاني لا أخافهم بل أخاف الله.
         
الفصل الثامن والاربعون بعد المئة

     الا قولوا لي هل فريسيو اليوم فريسيون؟، هل هم خدم الله؟، لا لا البتة، بل الحق أقول لكم انه لا يوجد هنا على الارض شر من أن يستر الانسان نفسه بالعلم ووشاح الدين ليخفي خبثه، اني أقص عليكم مثالا واحدا من فريسي الزمان القديم لكي تعرفوا الحاضرين منهم، بعد سفر ايليا تشتت شمل طائفة الفريسيين بسبب الاضطهاد العظيم من عبدة الاصنام، لأنه ذبح في زمن ايليا نفسه في سنة واحدة عشرة آلاف نبي ونيف من الفريسيين الحقيقيين، فذهب فريسيان الى الجبال ليقطنا هناك، ولبث احدهما خمس عشرة سنة لا يعرف شيئا عن جاره مع ان أحدهما كان على بعد ساعة واحدة عن الاخر، فانظروا اذا كانا طفيليين، فحدث في هذه الجبال قيظ فشرعا من ثم كلاهما يفتشان على ماء فالتقيا، فقال هناك الاكبر منهما ـ لأنه كان من عادتهم أن يتكلم الاكبر قبل كل أحد غيره واذا تكلم شاب قبل شيخ حسبوا ذلك خطيئة كبرى ـ: (أين تسكن أيه الاخ؟)، فأجاب مشيرا باصبعه الى المسكن:  (ههنا اسكن) لأنهما كانا قريبين من مسكن الاصغر، فقال الاكبر: (لعلك أتيت لما قتل أخاب أنبياء الله؟)، أجاب الاصغر: ( انه لكذلك)، قال الاكبر: (اتعلم أيها الاخ من هو الملك على اسرائيل الآن؟)، فأجاب الاصغر: ( ان الله هو ملك اسرائيل لأن عبدة الاصنام ليسوا ملوكا بل مضطهدين لاسرائيل)، قال الاكبر: (ان هذا صحيح ولكن أردت أن أقول من هو الذي يضطهد اسرائيل الآن)، أجاب الاصغر: ( ان خطايا اسرائيل تضطهد اسرائيل لأنهم لو لم يخطئوا لم يسلط(الله) على اسرائيل العظماء عبدة الأصنام، فقال حينئذ الاكبر: ( من هو ذلك العظيم الكافر الذي أرسله الله لتأديب اسرائيل)؟ أجاب الاصغر: (كيف يمكن أن أعرف وأنا لم أر انسانا مدة هذه الخمس عشرة سنة سواك وأجهل القراءة فلا ترسل إلي رسائل؟ )، قال الاكبر: (ما أجد جلود الغنم التي عليك فاذا كنت لم تر انسانا فمن اعطاك اياها ؟ ).
              
الفصل التاسع والاربعون بعد المئة

     أجاب الاصغر: (ان من حفظ ثياب شعب اسرائيل جديدة أربعين سنة في البرية حفظ جلودي كما ترى، حينئذ لاحظ الاكبر ان الاصغر كان أكبر منه لأنه كان أكمل منه لأنه كان كل سنة يختلط بالناس، ولذلك قال لكي يظفر بمحادثته: (أيها الاخ انك لا تعرف القراءة وأنا أعرف القراءة وعندي في بيتي مزامير داود، فتعال اذا لأعطيك كل يوم قراءة وأوضح لك ما يقول داود)، أجاب الاصغر: (لنذهب الآن)، قال الاكبر: ( أيها الاخ انني منذ يومين لم أشرب ماء فلنفتش اذا على قليل من الماء)، قال الاصغر: ( أيها الاخ منذ شهرين لم أشرب ماء فلنذهب اذا ونرى ماذا يقول الله على لسان نبيه داود، ان الله لقادر على أن يعطينا ماء)، فعادوا من ثم الى مسكن الاكبر فوجدوا على بابه ينبوعا من ماء عذب، قال الاكبر: ( انك أيها الاخ قدوس الله لأنه من أجلك قد أعطى هذا الينبوع)، أجاب الاصغر: ( انك أيها الاخ تقول هذا تواضعا، ولكن من المؤكد انه لو فعل الله هذا من أجلي لكان صنع ينبوعا قريبا من مسكني حتى لا أنصرف (للتفتيش عليه)، فاني اعترف لك بأني أخطأت اليك لما قلت انك منذ يومين لم تشرب وكنت تفتش على الماء، أما أنا فاني بقيت شهرين دون شرب ولذلك شعرت باعجاب فيّ كأني أفضل منك)، قال الاكبر: ( أيها الاخ انك قلت الصحيح ولذلك لم تخطئ)، قال الاصغر: (انك قد نسيت أيها الاخ ما قال أبونا ايليا ان من يطلب الله يجب أن يحكم على نفسه فقط، ومن المؤكد أنه قال هذا لا لنعرفه بل لنعمل به)، وبعد ان لاحظ الاكبر سنا صدق وبرارة رفيقه قال:  ( إنه لصحيح غفر لك إلهنا)، وبعد إن هذا أخذ المزامير وقرأ ما يقول أبونا داود : ( إني أضع حارسا لفمي حتى لا يميل قلبي إلى كلمات الاثم منتحلا عذرا عن خطاياى)، وهنا القى الشيخ  خطابا على اللسان وانصرف الاصغر، فلبثا من ثم خمس عشرة سنة اخرى حتى التقيا لأن الاصغر غيّر مسكنه، لذلك عندما عاد الاكبر فلقيه قال: ( لماذا لم ترجع أيها الاخ الى مسكني؟)، أجاب الاصغر: ( لأني لم أتعلم جيدا حتى الان ما قلته لي)، فقال الاكبر: (كيف يمكن ذلك وقد مرت الآن خمس عشرة سنة)، أجاب الاصغر: (اما الكلمات فقد تعلمتها في ساعة واحدة ولم أنسها قط ولكني حتى الان لم أحفظها، فما الفائدة من أن يتعلم المرء كثيرا جدا ولا يحفظه؟، ان الله لا يطلب أن تكون بصيرتنا جيدة بل قلبنا، وهكذا لا يسألنا في يوم الدينونة عما تعلمنا بل عما عملنا).
                   
الفصل المئة والخمسون

     أجاب الاكبر: ( لاتقل هكذا أيها الاخ لأنك إنما تحتقر المعرفة التي يريد الله أن تعتبر ) ، أجاب الاصغر : ( فكيف أتكلم اذا حتى لا أقع في الخطيئة ، لأن كلمتك صادقة وكلمتي أيضا ، أقول اذا ان من يعرف وصايا الله المكتوبة في الشريعة يجب عليه العمل بهذه أولا اذا أحب أن يتعلم بعد ذلك أكثر، وليكن كل ما يتعلمه الانسان للعمل لا(لمجرد) العلم به)، أجاب الاكبر: (قل لي أيها الأخ مع من تكلمت لتعلم انك لم تتعلم كل ما قلته؟)، أجاب الاصغر: (اني أتكلم أيها الاخ مع نفسي، اني أضع كل يوم نفسي أمام دينونة الله لاعطي حسابا عن نفسي، وأشعر على الدوام في داخلي بمن يوبخ ذنوبي)، قال الاكبر: ( ما هي ذنوبك أيها الأخ الذي هو كامل؟)، أجاب الاصغر: (لا تقل هذا لأني واقف بين ذنبين كبيرين، الاول اني لا أعرف نفسي اني أعظم الخطأة، الثاني لا أرغب في مجاهدة النفس لذلك أكثر من الآخرين)، أجاب الاكبر: (كيف تعلم انك أعظم الخطأة اذا كنت أكمل الناس؟) أجاب الاصغر: (ان الكلمة الأولى التي قالها لي معلمي عندما لبست لباس الفريسيين هي أنه يجب علي أن أفكر في خير غيري وفي إثمي فإذا فعلت هذا عرفت أنني أعظم الخطأة ) ، قال الأكبر : ( في خير من وذنب من تفكر وأنت على هذه الجبال فانه لا يوجد بشر هنا؟)، أجاب الاصغر: (يجب على أن أفكر في طاعة الشمس والسيارات، لأنها تعبد خالقها افضل مني، ولكني أحكم عليها اما لأنها لا تعطي نورا كما أرغب أو لأن حرارتها أكثر مما ينبغي أو لأنه يوجد مطر أقل أو أكثر مما تحتاج الارض)، فلما سمع الاكبر هذا قال: ( أيها الاخ أين تعلمت هذا التعليم؟)، فاني أنا الآن ابن تسعين سنة صرفت منها خمسا وسبعين سنة وأنا فريسي؟) أجاب الاصغر: (أيها الاخ انك تقول هذا تواضعا لأنك قدوس الله، ولكن أجيبك بأن الله خالقنا لا ينظر الى الوقت بل ينظر الى القلب، لذلك لما كان داود ابن خمس عشرة سنة وهو أصغر اخوته الستة انتخبه اسرائيل ملكا وصار نبي الله ربنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بالجميع فط راسلنى على البريد التالي :
nooral7q@gmail.com