بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 أبريل 2012

الجزء السابع عشر


الفصل الحادي والستون بعد المئة

     فقال يسوع: أسمعتم كل شيء؟، أجاب التلاميذ: نعم يا سيد، فقال من ثم يسوع: ان الكذب خطيئة ولكن القتل خطيئة أعظم، لأن الكذب خطيئة تختص بالذي يتكلم، ولكن القتل على كونه يختص بالذي يرتكبه هو يهلك أيضا أعز شيء لله هنا على الارض أي الانسان، ويمكن مداواة الكذب بقول ضد ما قد قيل على حين لا دواء للقتل لأنه ليس بممكن منح الميت حياة، قولوا لي اذا هل أخطأ موسى عبد الله بقتل كل الذين قتلهم؟، أجاب التلاميذ: حاش لله حاش لله أن يكون موسى قد أخطأ بطاعته لله الذي أمره، فقال حينئذ يسوع: وأنا أقول حاش لله أن يكون قد أخطأ ذلك الملاك الذي خدع أنبياء أخاب الكذبة بالكذب، لأنه كما ان الله يقبل قتل الناس ذبيحة فهكذا قبل الكذب حمدا، الحق أقول لكم كما يغلط الطفل الذي يصنع حذاءه بقياس(رجلي) جبار هكذا يغلط من يجعل الله خاضعا للشريعة كما انه هو نفسه خاضع لها من حيث هو انسان، فمتى اعتقدتم أن الخطيئة أنما هي ما لا يريده الله تجدون حينئذ الحق كما قلت لكم، وعليه لما كان الله غير مركب وغير متغير فهو أيضا غير قادر أن يريد وأن لا يريد الشيء الواحد، لأنه بذلك يصير تضاد في نفسه يترتب عليه ألم ولا يكون مباركا الى ما لا نهاية له، أجاب فيلبس: ولكن كيف يجب فهم قول النبي عاموس انه لا يوجد شر في المدينة لم يصنعه الله؟، أجاب يسوع: انظر الآن يا فيلبس ما أشد خطر الاعتماد على الحرف كما يفعل الفريسيون الذين قد انتحلوا لأنفسهم اصطفاء الله للمختارين على طريقة يستنتجون منها فعلا ان الله غير بار وانه خادع وكاذب ومبغض للدينونة (التي ستحل بهم)، لذلك أقول ان عاموس نبي الله يتكلم هنا عن الشر الذي يسميه العالم شرا، لأنه لو استعمل لغة الابرار لما فهمه العالم لأن كل البلايا حسنة اما حسنة لأنها تظهر الشر الذي فعلناه، واما حسنة لأنها تمنعنا عن ارتكاب الشر، واما حسنة لأنها تعرف الانسان حال هذه الحياة لكي نحب ونتوق الى الحياة الأبدية، فلو قال النبي عاموس: (ليس في المدينة من خير الا كان الله صانعه) لكان ذلك وسيلة لقنوط المصابين متى رأوا أنفسهم في المحن والخطأة في سعة من العيش، وأنكى من ذلك انه متى صدق كثيرون أن للشيطان سلطة على الانسان خافوا الشيطان وخدموه تخلصا من البلايا، فلذلك فعل عاموس مايفعله الترجمان الروماني الذي لا ينظر في كلامه كأنه يتكلم في حضرة رئيس الكهنة بل ينظر الى ارادة مصلحة اليهودي الذي لا يعرف التكلم باللسان العبراني.
        
 
الفصل الثاني والستون بعد المئة

     لو قال عاموس: ((ليس في المدينة من خير الا كان الله صانعه)) لكان لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته قد ارتكب خطأ فاحشا، لأن العالم لا يرى خيرا سوى الظلم والخطايا التي تصنع في سبيل الباطل، وعليه يكون الناس أشد توغلا في الاثم لأنهم يعتقدون انه لا يوجد خطيئة أو شر لم يصنعه الله وهو أمر تتزلزل لسماعه الارض، وبعد ان قال يسوع هذا حصل توا زلزال عظيم الى حد سقط معه كل أحد كأنه ميت، فأنهضهم يسوع قائلا: انظروا الآن اذا كنت قد قلت لكم الحق، فليكفكم هذا اذا، انه لما قال عاموس((ان الله صنع شرا في المدينة)) مكلما العالم فهو إنما تكلم عن البلايا التي لا يسميها شر الا الخطأة، ولنأت الآن على ذكر ما سبق الاصطفاء الذين تريدون أن تعرفوه والذي سأكلمكم عنه غدا على مقربة من الاردن على الجانب الآخر ان شاء الله.

الفصل الثالث والستون بعد المئة

     وذهب يسوع مع تلاميذه الى البرية وراء الاردن، فلما انقضت صلاة الظهيرة جلس بجانب نخلة وجلس تلاميذه تحت ظل النخلة، حينئذ قال يسوع: أيها الاخوة ان سبق الاصطفاء لسر عظيم حتى اني أقول لكم الحق انه لا يعلمه جليا الا انسان واحد فقط، وهو الذي تتطلع اليه الامم الذي تتجلى له اسرار الله تجليا فطوبى للذين سيصيخون السمع الى كلامه متى جاء الى العالم، لأن الله سيظللهم كما تظللنا هذه النخلة، بلى انه كما تقينا هذه الشجرة حرارة الشمس المتلظية هكذا تقي رحمة الله المؤمنين بذلك الاسم من الشيطان، أجاب التلاميذ: يا معلم من عسى ان يكون ذلك الرجل الذي تتكلم عنه الذي سيأتي الى العالم؟، أجاب يسوع بابتهاج قلب: انه محمد رسول الله، ومتى جاء الى العالم فسيكون ذريعة للاعمال الصالحة بين البشر بالرحمة الغزيرة التي يأتي بها ،كما يجعل المطر الارض تعطي ثمرا بعد انقطاع المطر زمنا طويلا، فهو غمامة بيضاء ملأى برحمة الله وهي رحمة ينثرها الله رذاذا على المؤمنين كالغيث.

الفصل الرابع والستون بعد المئة

     اني أشرح لكم الان ذلك النزر القليل الذي وهبني الله معرفته بشأن سبق هذا الاصطفاء نفسه، يزعم الفريسيون ان كل شيء قدر على طريقة لا يمكن معها لمن كان مختارا أن يصير منبوذا، ومن كان منبوذا لا يتسنى له بأية وسيلة كانت أن يصير مختارا، وانه كما أن الله قدّر أن يكون عمل الصلاح هو الصراط الذي يسير فيه المختارون الى الخلاص هكذا قدر أن تكون الخطيئة هي الطريق الذي يسير فيه المنبوذون إلى الهلاك، لعن اللسان الذي نطق بهذا واليد التي سطرته لأن هذا إنما هو اعتقاد الشيطان، فيمكن للمرء على هذا أن يعرف شاكلة فريسيي هذا العصر لانهم خدمة الشيطان الامناء، فماذا يمكن أن يكون معنى سبق اصطفاء سوى انه ارادة مطلقة تجعل للشيء غاية وسيلة الوصول اليها في يد المرء، فانه بدون وسيلة لا يمكن لأحد تعيين غاية، فكيف يتسنى لأحد تقدير بناء بيت وهو لا يعوزه الحجر والنقود ليصرفها فقط بل يعوزه موطئ القدم من الارض، لا أحد البته، فسبق الاصطفاء لا يكون شريعة الله بالاولى اذا استلزم سلب حرية الارادة التي وهبها الله للانسان بمحض جوده فمن المؤكد اننا نكون اذ ذاك آخذين في اثبات مكرهة لا سبق اصطفاء، أما كون الانسان حرا فواضح من كتاب موسى لأن إلهنا عندما أعطى الشريعة على جبل سينا قال هكذا: ( ليست وصيتي في السماء لكي تتخذ لك عذرا قائلا: من يذهب ليحضر لنا وصية الله؟، ومن يا ترى يعطينا قوة لنحفظها؟، ولا هي وراء البحر لكي تعد نفسك كما تقدم، بل وصيتي قريبة من قلبك حتى أنك تحفظها متى شئت)، قولوا لي لو أمر هيرودس شيخا أن يعود يافعا ومريضا أن يعود صحيحا ثم اذا هما لم يفعلا ذلك أمر بقتلهما أفيكون هذا عدلا؟، أجاب التلاميذ: لو أمر هيرودس بهذا لكان أعظم ظالم وكافر، حينئذ تنهد يسوع وقال: أيها الاخوة ما هذه إلا ثمار التقاليد البشرية، لأنه بقولهما أن الله قدّر فقضى على المنبوذ بطريقة لا يمكن معها أن يصير مختارا يجدفون على الله كأنه طاغ وظالم، لأنه يأمر الخاطئ أن يخطئ واذا أخطأ أن يتوب، على ان هذا القدر ينزع من الخاطئ القدرة على ترك الخطيئة فيسلبه التوبة بالمرة.

الفصل الخامس والستون بعد المئة

     ولكن اسمعوا ما يقول الله على لسان يوئيل النبي : ( لعمري ( يقول ) إلهكم لا أريد موت الخاطئ بل أود أن يتحول الى التوبة)، أيقدر الله اذا ما لا يريده؟، تأملوا ما يقول الله وما يقول فريسيو الزمن الحاضر، يقول الله أيضا على لسان النبي أشعيا: (دعوت فلم تصغوا إلي)، وما أكثر ما دعا الله، فاسمعوا ما يقول على لسان هذا النبي نفسه: (بسطت يدي طول النهار الى شعب لا يصدقني بل يناقضني)، فاذا قال فريسيونا ان المنبوذ لا يقدر أن يصير مختارا فهل يقولون سوى ان الله يستهزئ بالبشر كما لو استهزأ بأعمى يريه شيئا أبيض وكما لو استهزأ بأصم يكلمه في اذنيه؟، أما كون المختار يمكن أن ينبذ فتأملوا ما يقول إلهنا على لسان حزقيال النبي : ( يقول الله لعمري اذا رجع البار عن بره وارتكب الفواحش فانه يهلك ولا أذكر فيما بعد شيئا من بره فان بره سيخذله أمامي فلا ينجيه وهو متكل عليه، أما نداء المنبوذين فماذا يقول الله فيه على لسان هوشع سوى هذا: (انى ادعوا شعبا غير مختار فادعوهم مختارين)،ان الله صادق ولا يمكن أن يكذب وان الله لما كان هو الحق فهو يقول الحق، ولكن فريسيي الوقت الحاضر يناقضون الله كل المناقضة بتعليمهم.

الفصل السادس والستون بعد المئة

     أجاب اندراوس: ولكن كيف يجب أن يفهم ما قال الله لموسى من انه يرحم من يرحم ويقسِّي من يقسى؟، أجاب يسوع: إنما يقول الله هذا لكيلا يعتقد الانسان انه خلص بفضيلته، بل ليدرك ان الحياة ورحمة الله قد منحهما له الله من جوده، ويقوله ليتجنب البشر الذهاب إلى أنه يوجد آلهة أخرى سواه، فاذا هو قسِّى فرعون فإنما فعله لأنه نكل بشعبنا وحاول أن يبغى عليه بابادة كل الاطفال الذكور من اسرائيل حتى كاد موسى يخسر حياته، وعليه أقول لكم حقا ان أساس القدر إنما هو شريعة الله وحرية الارادة البشرية، بل لو قدّر الله أن يخلص العالم كله حتى لا يهلك أحد لما أراد أن يفعل ذلك، لكيلا يجرد الانسان من الحرية التي يحفظها له ليكبد الشيطان حتى يكون لهذه الطينة التي امتهنها الروح (الشيطان) ـ وان أخطأت كما فعل الروح ـ قدرة على التوبة والذهاب للسكن في ذلك الموضع الذي طرد منه الروح، فأقول إن إلهنا يريد أن يتبع برحمته حرية إرادة الإنسان ، ولا يريد أن يترك بقدرته غير المتناهية المخلوق ، هكذا لا يقدر أحد في يوم الدين أن يعتذر عن خطاياه، لأنه يتضح له حينئذ كم فعل الله لتجديده وكم وكم قد دعاه الى التوبة.

الفصل السابع والستون بعد المئة

     وعليه فاذا كانت أفكاركم لا تطمئن لهذا ووددتم أن تقولوا أيضا :           (( لماذا هكذا)) فاني أوضح لكم ((لماذا)) ، وهو هذا: قولوا لي لماذا لا يمكن الحجر أن يستقر على سطح الماء مع ان الارض برمتها مستقرة على سطح الماء؟، قولوا لي لماذا كان التراب والهواء والماء والنار متحدة بالإنسان ومحفوظة على وفاق؟ مع ان الماء يطفئ النار والتراب يهرب من الهواء حتى انه لا يقدر أحد أن يؤلف بينها، فإذ كنتم اذا لا تفقهون هذاـ بل ان كل البشر من حيث هم بشر لا يقدرون أن يفقهوه ـ فكيف يفقهون ان الله خلق الكون من لا شيء بكلمة واحدة؟، كيف يفقهون أزلية الله؟، حقا لا يتاح لهم أبدا أن يفقهوا هذا، لأنه لما كان الانسان محدودا ويدخل في تركيبه الجسد الذي هو كما يقول النبي سليمان قابل للفساد يضغط النفس ولما كانت أعمال الله مناسبة لله فكيف يمكن للانسان ادراكها؟، فلما رأى أشعيا نبي الله هذا صرخ قائلا : ( حقا إنك لإله محتجب ) ، ويقول عن رسول الله كيف خلقه الله : ( أما جيله فمن يصفه ؟ ) ، ويقول عن عمل الله : ( من كان مشيره فيه ) ، لذلك يقول الله للطبيعة البشرية: (كما تعلوا السماء عن الأرض هكذا تعلوا طرقي عن طريقكم وأفكاركم)، لذلك أقول لكم ان كيفية القدر غير واضحة للانسان وان كان ثبوته حقيقيا كما قلت لكم، أفيجب اذا على الانسان أن ينكر الواقع لأنه لا يقدر أن يعرف كيفيته؟، حقا اني لم أجد أحدا يرفض الصحة وان لم يمكن ادراك كيفيتها، لأني لا أدري حتى الآن كيف يشفي الله المرض بواسطة لمسي.
             
الفصل الثامن والستون بعد المئة

     حينئذ قال التلاميذ: حقا ان الله تكلم على لسانك لأنه لم يتكلم انسان قط كما تتكلم، أجاب يسوع: صدقوني انه لما اختارني الله ليرسلني الى بيت اسرائيل اعطاني كتابا يشبه مرآة نقية نزلت الى قلبي حتى ان كل ما أقول يصدر عن ذلك الكتاب، ومتى انتهى صدور ذلك الكتاب من فمي أصعد عن العالم، أجاب بطرس: يا معلم هل ما تتكلم به مكتوب في ذلك الكتاب؟، أجاب يسوع: ان كل ما أقول لمعرفة الله ولخدمة الله ولمعرفة الانسان ولخلاص الجنس البشري إنما هو جميعه صار من ذلك الكتاب هو انجيلي، قال بطرس: أمكتوب فيه مجد الجنة ؟ .

الفصل التاسع والستون بعد المئة

     أجاب يسوع: أصيخوا السمع أشرح لكم كيفية الجنة وكيف ان الاطهار والمؤمنين يقيمون هناك الى غير نهاية، وهذا بركة من أعظم بركات الجنة لأن كل شيء مهما كان عظيما اذا كان له نهاية يصير صغيرا بل لا شيء، فالجنة هي البيت الذي يخزن فيه الله مسراته التي هي عظيمة جدا، حتى ان الارض التي تدوسها أقدام الاطهار والمباركين ثمينة جدا بحيث ان درهما منها أثمن من ألف عالم ، ولقد رأى هذه المسرات أبونا داود نبي الله، فان الله أراه اياها اذ يسر له أن يبصر مجد الجنة، ولذلك لما عاد الى نفسه غطى عينيه بكلتا يديه وقال باكيا: (لا تنظري فيما بعد الى هذا العالم يا عيني لأن كل شيء فيه باطل وليس فيه شيء جيد)، ولقد قال عن هذه المسرات أشعيا النبي: ( لم تر عينا انسان ولم تسمع أذناه ولم يدرك قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه)، أتعلمون لماذا لم يروا ولم يسمعوا ولم يدركوا هذه المسرات؟ لأنهم ما داموا عائشين هنا في الاسفل فهم ليسوا أهلا لمشاهدة مثل هذه الاشياء، ولذلك اخبركم ان أبانا داود على كونه قد رآها حقا لم يرها بعينين بشريتين، لأن الله أخذ نفسه اليه وهكذا لما صار متحدا مع الله رآها بنور إلهي ، لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته لما كانت مسرات الجنة غير متناهية وكان الإنسان متناهيا فلا يقدر الانسان أن يعيها كما ان جرة صغيرة لا تقدر أن تعي البحر، انظروا ما أجمل العالم في زمن الصيف حين تحمل كل الاشياء ثمرا؟، حتى ان الفلاح نفسه يثمل من الحبور بالحصاد الذي أتى فيجعل الاودية والجبال ترجع غناءه، لأنه يحب أعماله كل الحب، الا فارفعوا اذا قلبكم هكذا الى الجنة حيث تثمر كل الاشياء ثمارا على قدر الذي حرثها، لعمر الله ان هذا كاف لمعرفة الجنة من حيث ان الله خلق الجنة بيتا لمسراته، ألا تظنون انه يكون للجودة غير المحدودة بالقياس أشياء غير محدودة في الجودة؟، أو أنه يكون للجمال الذي يقاس أشياء جمالها يفوق القياس؟، احذروا فانكم تضلون كثيرا اذا كنتم تظنون انها ليست عنده.

الفصل السبعون بعد المئة

     يقول الله هكذا للرجل الذي يعبده باخلاص: (اعرف أعمالك وانك تعمل لي، لعمري أنا الأبدي إن حبك لا يزيد على جودي، فإنك تعبدني إلها خالقا لك عالما أنك صنعي، ولا تطلب مني شيئا سوى النعمة والرحمة لإخلاصك في عبادتي لأنك لا تضع حدا لعبادتي إذ ترغب أن تعبدني أبدا ، هكذا أفعل أنا فاني اجزيك كأنك إله وند لي ، لأني لا أضع في يديك خيرات الجنة فقط بل أعطيك نفسي هبة، وكما انك تريد أن تكون عبدي دائما اجعل أجرتك الى الابد).


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بالجميع فط راسلنى على البريد التالي :
nooral7q@gmail.com