بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 8 أبريل 2012

الجزء الحادي عشر




الفصل الواحد بعد المئة
ثم قال يسوع ان التوبة عكس الحياة الشريرة لانه يجب أن تنقلب كل حاسة الى عكس ما صنعت وهي ترتكب الخطية، فيجب النواح عوضا عن المسرة، والبكاء عوضا عن الضحك، والصوم عوضا عن البطر، والسهر عوضا عن النوم، والعمل عوضا عن البطالة، والعفة عوضا عن الشهوة، وليتحول الفضول الى صلاة والجشع الى تصدق، حينئذ أجاب الذي يكتب: ولكن لو سئلوا كيف يجب أن ننوح وكيف يجب أن نبكي وكيف يجب أن نصوم وكيف يجب أن ننشط وكيف يجب أن نبقى أعفاء وكيف يجب أن نصلى ونتصدق فأي جواب يعطون؟  وكيف يحسنون القيام بالعقوبة البدنية اذا لم يعرفوا كيف يتوبون؟، أجاب يسوع: لقد أحسنت السؤال يا برنابا وأريد أن أجيب على كل ذلك بالتفصيل ان شاء الله، أما اليوم فانى اكلمك في التوبة على وجه عام وما أقوله لواحد أقوله للجميع، فاعلم اذا أن التوبة يجب أن تفعل أكثر من كل شيء لمجرد محبة الله والا كانت عبثا، واني اكلمكم بالتمثيل ، كل بناء اذا أزيل أساسه تساقط خرابا أصحيح هذا؟، فأجاب التلاميذ: انه لصحيح، فقال حينئذ يسوع: ان أساس خلاصنا هو الله الذي لا خلاص بدونه، فلما أخطأ الانسان خسر أساس خلاصه، لذلك وجب الابتداء بالاساس، قولوا لي اذا استأتم من عبيدكم وعلمتم أنهم لم يحزنوا لانهم أغاظوكم بل حزنوا لانهم خسروا جزاءهم أتغفرون لهم؟، لا البتة، اني أقول لكم أن الله هكذا يفعل بالذين يتوبون لانهم خسروا الجنة، ان الشيطان عدو كل صلاح لنادم شديد الندم لانه خسر الجنة وربح الجحيم، ومع ذلك لن يجد رحمة،  فهل تعلمون لماذا؟ لانه ليس عنده مجد لله بل يبغض خالقه
                        
الفصل الثاني بعد المئة
    
      الحق أقول لكم أن كل حيوان مفطور على الحزن لفقد ما يشتهي من الطيبات، لذلك وجب على الخاطئ النادم ندامة صادقة أن يرغب كل الرغبة في أن يقتص من نفسه لما صنع عاصيا لخالقه، حتى أنه متى صلى لا يجسر أن يرجو الجنة من الله أو أن يعتقه من الجحيم، بل أن يسجد لله مضطرب الفكر ويقول في صلاته: أنظر يا رب الى الاثيم الذي أغضبك بدون أدنى سبب في الوقت الذي كان يجب عليه أن يخدمك فيه، لذلك يطلب الآن أن تقتص منه لما فعله بيدك لا بيد الشيطان عدوك، حتى لا يشمت الفجار بمخلوقاتك، أدب واقتص كما تريد يا رب لانك لا تعذبني كما يستحق هذا الاثيم، فاذا جرى الخاطي على هذا الاسلوب وجد أن رحمة الله تزيد على نسبه العدل الذي يطلبه، حقا ان ضحك الخاطئ دنس مكروه حتى انه يصدق على هذا العالم ما قال أبونا داود من انه وادي الدموع، كان ملك تبنى أحد عبيده وجعله سيدا على كل ما يملكه، فحدث بسعاية ماكر خبيث أن وقع هذا التعيس تحت غضب الملك، فأصابه شقاء عظيم لا في مقتنياته فقط بل احتقر وانتزع منه ما كان يربحه كل يوم من العمل، أتظنون أن مثل هذا الرجل يضحك مرة ما؟، فأجاب التلاميذ: لا البتة لانه لو عرف الملك بذلك لامر بقتله اذ يرى أنه يضحك من غضبه، ولكن الارجح أنه يبكي نهارا وليلا، ثم بكى يسوع قائلا: ويل للعالم لانه سيحل به عذاب أبدي، ما أتعسك أيها الجنس البشري، فان الله قد اختارك ابنا واهبا اياك الجنة، ولكنك أيها التعيس سقطت تحت غضب الله بعمل الشيطان وطردت من الجنة وحكم عليك بالاقامة في العالم النجس حيث تنال كل شيء بكدح وكل عمل صالح لك يحبط بتوالي ارتكاب الخطايا، وإنما العالم يضحك والذي هو شر من ذلك أن الخاطئ الاكبر يضحك أكثر من غيره، فسيكون كما قلتم : ( إن الله يحكم بالموت الأبدي على الخاطئ الذي يضحك لخطاياه ولا يبكي عليها ) .

الفصل الثالث بعد المئة

     ان بكاء الخاطئ يجب أن يكون كبكاء أب على ابن مشرف على الموت، ما أعظم جنون الانسان الذي يبكي على الجسد الذي فارقته النفس ولا يبكي على النفس التي فارقتها رحمة الله بسبب الخطيئة، قولوا لي اذا قدر النوتى الذي كسرت العاصفة سفينته على أن يسترد بالبكاء كل ما خسر فماذا يفعل؟، من المؤكد أنه يبكي بمرارة، ولكن أقول لكم حقا أن الانسان يخطئ في البكاء على أي شيء الا على خطيئته فقط ، لأن كل شقاء يحل بالانسان إنما يحل به من الله لخلاصه حتى أنه يجب عليه أن يتهلل له ، ولكن الخطيئة إنما تأتي من الشيطان للعنة الانسان ولا يحزن الانسان عليها، حقا انكم لا تدركون أن الانسان إنما يطلب هنا خسارة لا ربحا، قال برتولوماوس: يا سيد ماذا يجب أن يفعل من لا يقدر أن يبكي لأن قلبه غريب من البكاء؟، أجاب يسوع: ليس كل من يسكب العبرات بباك يا برتولوماوس، لعمر الله يوجد قوم لم تسقط من عيونهم عبرة قط بكوا أكثر من ألف من الذين يسكبون العبرات، ان بكاء الخاطئ هو احتراق هواه العالمي بشدة الاسى، وكما أن نور الشمس يقي ما هو موضوع في الاعلى من التعفن هكذا يقي هذا الاحتراق النفس من الخطيئة، فلو وهب الله النادم الصادق دموعا قدر ما في البحر من ماء لتمنى أكثر من ذلك بكثير، ويفني هذا التمني تلك القطرة الصغيرة التي يود أن يسكبها كما يفني الاتون الملتهب قطرة من ماء، أما الذين يفيضون بكاء بسهولة فكالفرس الذي تزيد سرعة عدوه كلما خف حمله.
                     
الفصل الرابع بعد المئة

     انه ليوجد قوم يجمعون بين الهوى الداخلي والعبرات الخارجية، لكن من على هذه الشاكلة يكون كأرميا، ففي البكاء يزن الله الحزن أكثر مما يزن العبرات، فقال حينئذ يوحنا: يا معلم كيف يخسر الانسان في البكاء على غير الخطيئة؟، أجاب يسوع: اذا أعطاك هيرودس رداءا لتحفظه له ثم أخذه بعد ذلك منك أيكون لك باعث على البكاء؟ فقال يوحنا: لا، فقال يسوع: اذا يكون باعث الانسان على البكاء أقل من هذا اذا خسر شيئا أو فاته ما يريد لان كل شيء يأتي من يد الله، أليس لله اذن قدرة على التصرف بأشيائه حسبما يريد أيها الغبي؟ أما أنت فليس لك من ملك سوى الخطيئة فقط فعليها يجب أن تبكي لا على شيء آخر، قال متى: يا معلم انك لقد اعترفت أمام اليهودية كلها بأن ليس لله من شبه كالبشر وقلت الآن ان الانسان ينال من يد الله فاذا كان لله يدان فله اذا شبه بالبشر، أجاب يسوع: انك لفي ضلال يا متى ولقد ضل كثيرون هكذا اذ لم يفقهوا معنى الكلام، لانه لا يجب على الانسان أن يلاحظ ظاهر الكلام بل معناه اذ الكلام البشري بمثابة ترجمان بيننا وبين الله، ألا تعلم أنه لما أراد الله أن يكلم آباءنا على جبل سيناء صرخ آباؤنا: ((كلمنا أنت يا موسى ولا يكلمنا الله لئلا نموت)) وماذا قال الله على لسان أشعيا النبي: (( أليس كما بعدت السموات عن الارض هكذا بعدت طرق الله عن طرق الناس و أفكار الله عن أفكار الناس؟ )).
                  
الفصل الخامس بعد المئة

     ان الله لا يدركه قياس الى حد اني أرتجف من وصفه، ولكن يجب أن أذكر لكم قضية، فأقول لكم اذا أن السموات تسع وانها بعضها يبعد عن بعض كما تبعد السماء الاولى عن الارض التي تبعد عن الارض سفر خمس مئة سنة، وعليه فان الارض تبعد عن أعلى سماء مسيرة أربعة آلف وخمس مئة سنة، فبناءا على ذلك أقول لكم أنها بالنسبة الى السماء الاولى كرأس ابرة، ومثلها السماء الاولى بالنسبة الى الثانية وعلى هذا النمط كل السموات الواحدة منها أسفل مما يليها، ولكن كل حجم الارض مع حجم كل السموات بالنسبة الى الجنة كنقطة بل كحبة رمل أليست هذه العظمة مما لا يقاس؟، فأجاب التلاميذ: بلى بلى ، حينئذ قال يسوع: لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته أن الكون أمام الله لصغير كحبة رمل، والله أعظم من ذلك بمقدار ما يلزم من حبوب الرمل لملء كل السموات والجنة بل أكثر، فانظروا الآن اذا كان هناك نسبة بين الله والانسان الذي ليس سوى كتلة صغيرة من طين واقفة على الارض، فانتبهوا اذا لتأخذوا المعنى لا مجرد الكلام اذا أردتم أن تنالوا الحياة الابدية، فأجاب التلاميذ: ان الله وحده يقدر أن يعرف نفسه وانه حقا لكما قال أشعيا النبي: (( هو محتجب عن الحواس البشرية ))، أجاب يسوع: ان هذا لهو الحق لذلك سنعرف الله متى صرنا في الجنة كما يعرف هنا البحر من قطرة ماء مالح، واني أعود الى حديثي فأقول لكم أنه يجب على الانسان أن يبكي على الخطيئة فقط لانه بالخطيئة يترك  الانسان خالقه، ولكن كيف يبكي من يحضر مجالس الطرب والولائم، انه يبكي كما يعطي الثلج نارا!، فعليكم أن تحولوا مجالس الطرب الى صوم اذا أحببتم أن يكون لكم سلطة على حواسكم لأن سلطة إلهنا هكذا ، فقال تداوس : إذا يكون لله حاسة يمكن التسلط عليها؟، أجاب يسوع: أتعودون اذا للقول بأن لله هذا وان الله هكذا؟، قولوا لي أللانسان حاسة؟، أجاب التلاميذ: نعم، فأجاب يسوع: أيمكن أن يوجد انسان فيه حياة ولا تعمل فيه حاسة؟، أجاب التلاميذ: لا، قال يسوع: انكم تخدعون أنفسكم فأين حاسة من كان أعمى أو أطرش أو أخرس أو أبتر والانسان حين يكون في غيبوبة؟، فتحير حينئذ التلاميذ، أما يسوع فقال: يتألف الانسان من ثلاثة أشياء أي النفس والحس والجسد كل منها مستقل بذاته، ولقد خلق إلهنا النفس والجسد كما سمعتم ، ولكنكم لم تسمعوا حتى الآن كيف خلق الحس، لذلك أقول لكم كل شيء غدا ان شاء الله، ولما قال يسوع هذا شكر الله وصلى لخلاص شعبنا وكل منا يقول: آمين.
                   
الفصل السادس بعد المئة

     فلما فرع يسوع من صلاة الفجر جلس تحت شجرة نخل فاقترب تلاميذه اليه هناك، حينئذ قال يسوع: لعمر الله الذي تقف نفسي في حضرته ان كثيرين مخدوعون في شأن حياتنا، لان النفس والحس مرتبطان معا ارتباطا محكما حتى أن أكثر الناس يثبتون أن النفس والحس إنما هما شيء واحد فارقين بينهما بالعمل لا بالجوهر ويسمونها بالنفس الحاسة والنباتية والعقلية، ولكن الحق أقول لكم أن النفس هي شيء حي مفكر، ما أشد غباوتهم فأين يجدون النفس العقلية بدون حياة؟، لن يجدوها أبدا، ولن يسهل وجود الحياة بدون حس كما يشاهد في من وقع في غيبوبة متى فارقه الحس، أجاب تداوس: يا معلم متى فارق الحس الحياة فلا يكون للانسان حياة، أجاب يسوع: ان هذا ليس بصحيح لأن الإنسان إنما يفقد الحياة متى فارقته النفس لأن النفس لا ترجع إلى الجسد إلا بآية ، ولكن الحس يذهب بسبب الخوف الذي يعرض له أو بسبب الغم الشديد الذي يعرض للنفس، لان الله خلق الحس لاجل الملذة ولا يعيش الا بها كما أن الجسد يعيش بالطعام والنفس تعيش بالعلم والحب، فهذا(الحس) يخالف النفس بسبب الغيظ الذي يلم به لحرمانه من ملذة الجنة بسبب الخطيئة، لذلك وجب أشد الوجوب وآكده على من لا يريد تغذيته بالملذات الجسدية أن يغذيه بالملذة الروحية، أتفهمون؟، الحق أقول لكم أن الله لما خلقه حكم عليه بالجحيم والثلج والجليد اللذين لا يطاقان، لأنه قال أنه هو الله، ولكن لما حرمه من التغذية وأخذ طعامه منه أقر أنه عبد الله وعمل يديه، والآن قولوا لي كيف يعمل الحس في الفجار؟، حقا انه لهم بمثابة الله لانهم يتبعون الحس معرضين عن العقل وعن شريعة الله، فيصيرون مكروهين ((منبوذين)) ولا يعملون صالحا.

الفصل السابع بعد المئة

     وهكذا فان أول شيء يتبع الحزن على الخطيئة الصوم، لان من يرى أن نوعا من الطعام أمرضه حتى خشي الموت فانه بعد أن يحزن على أكله يعرض عنه حتى لا يمرض، فهكذا يجب على الخاطئ أن يفعل، فمتى رأى ان اللذة جعلته يخطئ الى الله خالقه باتباعه الحس في طيبات العالم هذه فليحزن لانه فعل هكذا، لان هذا يحرمه من الله حياته ويعطيه موت الجحيم الابدي، ولكن لما كان الانسان محتاجا وهو عائش الى مناولة طيبات العالم هذه وجب عليه هنا الصوم فليأخذ اذا في اماتة الحس وأن يعرف الله سيدا له، ومتى رأى أن الحس يمقت الصوم فليضع قبالته حال الجحيم حيث لا لذة على الاطلاق بل الواقع في حزن متناه، ليضع قبالته مسرات الجنة التي هي عظيمة بحيث أن حبة من ملاذ الجنة لاعظم من ملاذ العالم بأسرها، فبهذا يسهل تسكينه، لأن القناعة بالقليل لنيل الكثير لخير من اطلاق العنان في القليل مع الحرمان من كل شيء والمقام في العذاب، وعليكم أن تذكروا الغنى صاحب الولائم لكي تصوموا جيدا، لأنه لما أراد هنا على الارض أن يتنعم كل يوم حرم الى الابد من قطرة واحدة من الماء بينا أن لعازر اذ قنع بالفتات هنا على الارض سيعيش الى الابد في بحبوحة من ملاذ الجنة، ولكن ليكن التائب متيقظا، لان الشيطان يحاول أن يبطل كل عمل صالح ويخص عمل التائب أكثر مما سواه، لان التائب قد عصاه وانقلب عليه عدوا عنيدا بعد أن كان عبدا أمينا، فلذلك يحاول الشيطان أن يحمله على عدم الصوم في حال من الاحوال بشبهة المرض فاذا لم يغن هذا أغراه بالغلو في الصوم حتى ينتابه مرض فيعيش بعد ذلك متنعماً، فإذا لم يفلح في هذا حاول أن يجعله يقصر صومه على ترك الطعام الجسدي حتى يكون مثله لا يأكل شيئاً ولكنه يرتكب الخطيئة على الدوام، لعمر الله انه لممقوت أن يحرم المرء الجسد من الطعام ويملأ النفس كبرياء محتقرا الذين لا يصومون وحاسبا نفسه أفضل منهم، قولوا لي أيفاخر المريض بطعام الحمية الذي فرضه عليه الطبيب ويدعو الذين لا يقتصرون على طعام الحمية مجانين؟، لا البتة، بل يحزن للمرض الذي اضطر بسببه الى الاقتصار على طعام الحمية، انني أقول لكم أنه لا يجب على التائب أن يفاخر بصومه ويحتقر الذين لا يصومون، بل يجب عليه أن يحزن للخطيئة التي يصوم لاجلها، ولا يجب على التائب الذي يصوم أن يتناول طعاما شهيا بل  يقتصر على الطعام الخشن، أفيعطى الانسان طعاما شهيا للكلب الذي يعض وللفرس الذي يرفس؟ لا البتة بل الامر بالعكس، وليكن هذا كفاية لكم في شأن الصوم.
                     
الفصل الثامن بعد المئة

     أصيخوا السمع اذا لما سأقوله لكم بشأن السهر ، انه لما كان قسمين أي نوم للجسد ونوم النفس وجب عليكم أن تحذروا في السهر كي لا تنام النفس والجسد ساهـر ، ان هذا يكون خطأ فاحشا جـدا ، ما قولكم في هذا المثل (( بينما كان انسان ماشيا اصطدم بصخر فلكي يتجنب أن تصدم به رجله أكثر من ذلك صدمه برأسه، فما هو حال رجل كهذا ؟ )) ، أجاب التلاميذ : انه تعيس فان رجلا كهذا مصاب بالجنون، فقال حينئذ يسوع: حسنا أجبتم فاني أقول لكم حقا ان من يسهر بالجسد وينام بالنفس لمصاب بالجنون، وكما أن المرض الروحي أشد خطرا من الجسدي فشفاؤه أشد صعوبة، أفيفاخر اذا تعيس كهذا بعدم النوم بالجسد الذي هو رجل الحياة بينا هو لا يرى شقاءه في أنه ينام بالنفس التي هي رأس الحياة؟، ان النوم هو نسيان الله ودينونته الرهيبة، فالنفس التي تسهر إنما هي التي ترى الله في كل شيء وفي كل مكان وتشكر جلالته في كل شيء وعلى كل شيء وفوق كل شيء عالمة أنها دائما في كل دقيقة تنال  نعمة ورحمة من الله، فمن يرن دائما في أذنها خشية من جلالته ذلك القول الملكي : (( تعالي أيتها المخلوقات للدينونة لأن إلهك يريد أن يدينك )) ، فانها تلبث على الدوام في خدمة الله ، قولوا لي أتفضلون أن تروا بنور نجم أو بنور الشمس؟، أجاب اندراوس : بنور الشمس لا بنور النجم، بنور النجم لا نقدر أن نبصر الجبال المجاورة وبنور الشمس نبصر أصغر حبوب الرمل، لذلك نسير بخوف على نور النجم ولكنا بنور الشمس نسير باطمئنان.
                  
الفصل التاسع بعد المئة

     أجاب يسوع: انني أقول لكم هكذا يجب عليكم أن تسهروا بالنفس بشمس العدل التي هي إلهنا ولا تفاخروا بسهر الجسد، وصحيح كل الصحة انه يجب تجنب الرقاد الجسدي جهد الطاقة، الا أن منعه البتة محال لان الحس والجسد مثقلان بالطعام والعقل بالمشاغل، لذلك يجب على من يريد أن يرقد قليلا أن يتجنب فرط المشاغل وكثرة الطعام، لعمر الله الذي في حضرته تقف نفسي أنه يجوز الرقاد قليلا كل ليلة الا أنه لا يجوز أبدا الغفلة عن الله ودينونته الرهيبة وما رقاد النفس الا هذه الغفلة، حينئذ أجاب من يكتب: يا معلم كيف يمكن لنا أن نتذكر الله على الدوام؟ انه ليلوح لنا أن هذا محال، فقال يسوع متنهدا: ان هذا لاعظم شقاء يكابده الانسان يا برنابا لان الانسان لا يقدر هنا على الارض أن يذكر الله خالقه على الدوام، الا الأطهار فانهم يذكرون الله على الدوام لأن فيهم نور نعمة الله حتى لا يقدرون أن ينسوا الله، ولكن قولوا لي أرأيتم الذين يشتغلون بالحجارة المستخرجة من المقالع كيف تعودوا بالتمرن المستمر أن يضربوا حتى أنهم يتكالمون وهم طول الوقت يضربون بالآلة الحديدية في الحجر دون أن ينظروا اليها ومع ذلك لا يصيبون أيديهم؟، فافعلوا اذا أنتم كذلك، ارغبوا في أن تكونوا أطهارا اذا أحببتم أن تتغلبوا تماما على شقاء الغفلة، ومن المؤكد أن الماء يشق أقوى الصخور بقطرة واحدة يتكرر وقوعها عليها زمنا طويلا، أتعلمون لماذا لم تتغلبوا على هذا الشقاء؟، لانكم لم تدركوا أنه خطيئة، لذلك أقول لكم أن من الخطأ أيها الانسان أن يهبك أمير هبة فتغمض عنه عينيك وتوليه ظهرك، هكذا يخطئ الذين يغفلون عن الله، لان الانسان ينال كل حين هبات ونعمة من الله.

الفصل العاشر بعد المئة

     الا فقولوا لي ألا ينعم الله عليكم كل حين؟، بلى حقا فانه يجود عليكم دوما بالنفس الذي به تحيون، الحق الحق أقول لكم أنه يجب على قلبكم أن يقول كلما تنفس جسدكم: (( الحمد لله ))، حينئذ قال يوحنا: ان ما تقوله لهو الحق يا معلم فعلمنا الطريق لبلوغ هذه الحال السعيدة، أجاب يسوع: الحق أقول لك أنه لا يتاح لاحد بلوغ هذه الحال بقوى بشرية بل برحمة الله ربنا، ومن المؤكد أنه يجب على الانسان أن يشتهي الصالح ليهبه الله اياه، قولوا لي أتأخذون وانتم على المائدة اللحوم التي تأنفون من النظر اليها؟، لا البتة كذلك أقول لكم أنكم لا تنالون ما لا تشتهون، ان الله لقادر اذا اشتهيتم الطهارة أن يجعلكم طاهرين في أقل من طرفة عين، ولكن إلهنا يريد أن ننتظر ونطلب لكي يشعر الانسان بالهبة والواهب، أرأيتم الذين يتمرنون على رمي هدف؟، حقا انهم ليرمون مرارا متعددة عبثا، وكيفما كانت الحال فهم لا يرغبون مطلقا أن يرموا عبثا ولكنهم يؤملون دوما أن يصيبوا الهدف، فافعلوا هكذا أنتم الذين تشتهون دوما أن تذكروا الله، ومتى غفلتم فنوحوا لان الله سيهبكم نعمة لتبلغوا كل ما قد قلته، ان الصوم والسهر الروحي متلازمان حتى اذا أبطل أحد السهر بطل الصوم توا، لان الانسان بارتكاب الخطيئة يبطل صوم النفس ويغفل عن الله، وهكذا فان السهر والصوم من حيث النفس لازمان دوما لنا لسائر الناس، لأنه لا يجوز لاحد أن يخطئ، أما صوم الجسد وسهره فصدقوني أنهما غير ممكنين في كل حين ولا لكل شخص، لانه يوجد مرضى وشيوخ وحبالى وقوم مقصورون على طعام الحمية وأطفال وغيرهم من أصحاب البنية الضعيفة، وكما أن كل أحد  يلبس بحسب قياسه الخاص هكذا يجب عليه أن يختار صومه، لأنه كما أن أثواب الطفل لا تصلح لرجل ابن ثلاثين سنة هكذا لا يصلح صوم أحد وسهره لاخر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ارحب بالجميع فط راسلنى على البريد التالي :
nooral7q@gmail.com